حرب عالمية جديدة ! الدكتور يعقوب ناصر الدين


أنباء الوطن -

إنها " الحرب التجارية " التي يقول وزير المالية الفرنسي برونو لومير إنها أصبحت أمرا واقعا ، تلك الحرب الدائرة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة ، والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا ودول أخرى من ناحية ثانية ، ويبدو أنها حرب متوحشه ، من وجهة نظر الوزير الفرنسي الذي حذر من أن " قانون الغاب لن يسفر إلا عن أطراف خاسرة ، وسيضعف النمو ، ويهدد أكثر البلدان هشاشة ، وستكون له تداعيات كارثية"!

قانون أو شريعة الغاب هي البقاء للأصلح ، وهي كذلك القوي يأكل الضعيف بلا رحمة ولكن في هذه الحرب التي بدأ الحديث عنها بصورة صريحة وواضحة منذ أن وصف الرئيس ترامب الاتحاد الأوروبي " العدو التجاري " تكشف أكثر من أي وقت مضى حقيقة الواقع الاقتصادي والمالي الذي تقوده الرأسمالية العالمية نحو الهاوية ، ما لم تتفاهم أطراف النزاع على نظام اقتصادي جديد .

اليوم تصلح مقولة الخبير الاقتصادي روجر كيري صاحب كتاب جنون الاقتصاد "بأن المشكلة لا تكمن في كيف نطبق نظامنا الاقتصادي ، فنظامنا الاقتصادي هو في حد ذاته مشكلة " لأن تكون منطلقا لمنع هذه الحرب التي تعود أسبابها الحقيقية لحالة الاقتصاد الأمريكي التي يريد الرئيس ترامب تحميلها للعالم أجمع ، وقد مهد لذلك مرارا ، وفي عقر دار الأوروبيين حين طالبهم بدفع ما يترتب عليهم من كلفة حماية أمريكا لهم !

إنه ينظر إليهم على أنهم الحليف الخائن بسبب انفتاحهم على اقتصاديات عالمية أخرى في حين يقول بعضهم في السر والعلن لقد سئمنا العنجهية الأمريكية وتسلطها علينا ، وتحميلنا أسباب فشل سياساتها الاقتصادية ، وعدم اعترافها بأنها لم تتعافى بعد من أزمتها التي بدأت منذ عام 2008 ، وأنها لم تعد قادرة على قيادة العالم بالطريقة نفسها وبقدراتها السابقة ، إن عليها أن تواجه نفسها قبل أن تواجهنا .

بعض مظاهر هذه الحرب تكمن في الرسوم والتعريفات الجمركية الأحادية الجانب التي تفرضها أمريكا خاصة على الصلب والألمنيوم ، وكذلك الرسوم الانتقامية التي يفرضها الطرف الآخر على منتجات أمريكية ، في حين يريد الرئيس ترامب أن يفرض بالصوت العالي اتفاقيات للتجارة الحرة بما يضع حدا للمخاطر التي يواجهها المنتجون الأمريكيون ، وليس هناك من يفكر بالإضرار في الاقتصاد الأمريكي ، ولكن ليس هناك من هو مستعد لإصلاح الاقتصاد الأمريكي على حساب اقتصاده ، إنها بالفعل معركة في حرب طويلة ، ستفرض على الدول جميعها إعادة النظر في حساباتها ، وربما يعاد النظر في اتفاقيات التجارة العالمية ، وكل ما يرتبط بها من هيئات ومنظمات ومؤشرات واسواق !

لا توجد حرب أخرى غير هذه الحرب التجارية ، والحروب العسكرية الكبيرة قد انتهت إلى غير رجعة ، وبالتالي لن يعرف العالم شيئا اسمه اقتصاد ما بعد الحرب إلا على مستوى الدول التي تخوض حروبا صغيرة محدودة ، مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا وبعض الدول الإفريقية ، ولكن ما هو أثر الحرب التجارية على الدول النامية ، ومنها الأردن ، أليس من حقنا أيضا أن ندرس بعمق أثر تلك الحرب علينا ؟