30 ألــف مستـوطــن دنـســوا «الأقـصـــى» فـــي 2018
يتعرض المسجد الأقصى المبارك منذ احتلاله عام 1967، إلى أبشع الانتهاكات الصهيونية لحُرمته وقداسته، المتمثّلة في أمورٍ عِدّة، منها: الاقتحامات اليومية التي يقوم بها المستوطنون وغُلاة اليهود والجماعات المتطرفة، والحَفريّات تحت ساحاته وتحت المناطق التي تحيط به، فضلًا عن التهويد المستمر له وصَبْغه بالصبغة الصهيونية، والتضييق على المصلين المسلمين؛ لدرجة إخراج المصلين المسلمين منه بالقوة، وإغلاقه أمامهم، واعتقال المرابطين المقدسيين.
وتابعت وحدة الرصد باللغة العبرية -التابعة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف- عن كَثَبٍ شديدٍ، تلك الانتهاكاتِ الصهيونيّةَ، خلال عام 2018م، واقتحامات المستوطنين لساحات المسجد الأقصى المبارك شبه اليومية، وقيامهم بأعمالٍ استفزازية وطقوسٍ يهودية تلمودية في ساحاته المباركة، وسط حراساتٍ مُشَدَّدة من قِبَل الشرطة الصهيونية ورجال (الشاباك). ومن خلال المتابعة المتواصلة لوحدة الرصد باللغة العبرية، تَبَيَّنَ أن اقتحاماتِ المستوطنين للمسجد الأقصى هذا العام، قد زادت وتيرتها عن العام السابق؛ لأسبابٍ، منها:
لقد كان للقرار الجائر الذي اتخذه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، في السادس من كانون أول 2017م، بالاعتراف بالقدس عاصمةً للكِيان الصهيوني، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، دَورٌ كبير في تشجيع المستوطنين اليهود على اقتحام المسجد الأقصى وتَزايُد وتيرته، وتَجَرُّؤهم على المقدَّسات بصورةٍ عامّة في الأراضي المحتلة.
وفي الثالث من تموز 2018، أصدر رئيس وزراء الكِيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، قرارًا بالسماح لأعضاء الكنيست باقتحام القدس الشريف، وأداء صلاتهم التلمودية، إضافةً إلى فتْحه أمامهم طَوال العام.
فبعد عامين من اتخاذ قرارٍ بمنْع أعضاء الكنيست من زيارة الحرم الشريف واقتحامه بسبب التوترات الأمنية؛ قرّر رئيس وزراء الكِيان الصهيوني، الموافقةَ على تَوصية مجلس الأمن الصهيوني، بالسماح لأعضاء الكنيست باقتحام الحرم الشريف، أربع مرّاتٍ خلال العام.
لقد كان لقرار «نتنياهو» تأثيرٌ بالغ على وزراء الكِيان الصهيوني وأعضاء الكنيست ومُنَظَّمات الهَيكل المزعوم؛ فقد رحّبوا بهذا القرار بصورةٍ كبيرة، مُسارِعين إلى اقتحام المسجد الأقصى المبارك، وعلى رأسهم: وزيرُ الزراعة الإسرائيلي، أوري أريئيل هكوهين، وخلال اقتحامه كان يقول: «نصلي ونتضرع لكي يُبنى (الهيكل)، ونأمُل أن يُبنى (الهيكل) سريعًا في عصرنا».
كما اقتَحم خلال الأسبوع الثاني من تموز، أربعةُ أعضاء كنيست من المتطرفين، برفقة جماعات «الهيكل» المزعوم، باحاتِ المسجد الأقصى المبارك، وسط حراسةٍ مُشَدَّدة من قِبَل قوات الاحتلال الصهيوني، وأَنشدوا النشيدَ الصهيوني عند باب السلسلة، الأمر الذي أثار غضب المسلمين الذين كانوا يؤدّون الصلاة في الأقصى، واعتبروا أن هذه التصرفاتِ تَعَدٍّ لكل الخطوط الحمراء. وأيَّد يولي أدلشتين، رئيسُ الكنيست، هذا القرارَ، قائلًا: «أؤيّد بشِدّةٍ السماحَ بزيارة (الهيكل) والأماكن المقدسة». وكان من تبعات هذا القرار أيضًا، أنْ أوصت شرطة الكِيان الصهيوني باقتحام أعضاء الكنيست للمسجد الأقصى وتشجيعهم، وإزالة القيود التي كانت مفروضة عليهم إزاء هذا الأمر.
ولشرطة الكِيان الصهيوني دَورٌ كبير في تشجيع المستوطنين على اقتحام المسجد الأقصى المبارك، فهي التي تسمح لجماعة أمناء الهيكل المزعوم والمنظمات الصهيونية المتطرفة، بدخول باحات الحرم القدسي بأعدادٍ كبيرة، وتمتنع عن ردعهم؛ الأمر الذي يتسبّب في اغتنام هؤلاء المستوطنين الفرصة لرفع أعلامٍ إسرائيلية داخل باحات الأقصى، وإنشاد قصائدَ دينيّةٍ، وأداء صلواتٍ يهودية وطقوسٍ تلمودية. وبينما تُخَوِّل للمستوطنين اقتحاماتِ الحرم القدسي والعبث فيه، تُضَيِّق على الفلسطينيين بوجهٍ عامّ، والمقدسيين والمُرابِطين في ساحات الأقصى بوجهٍ خاصّ، أنْ يتنقّلوا بحُريةٍ في ساحات المسجد.
لا تَتوانى الجماعات اليهودية المتطرفة عن القيام بدرورها في حشد المستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى، من هذه الجماعات: جماعة أُمناء (الهيكل) المزعوم، ومنظمة طلاب من أجل (الهيكل) المتطرفة، التي تسعى لإقامة (الهيكل) المزعوم الثالث بدلًا عن المسجد الأقصى. وخلال عام 2018، حشدتْ جماعة «أُمناء جبل الهيكل» بصورةٍ مُكَثَّفة لاقتحام المسجد الأقصى خلال الأعياد اليهودية؛ فقد دعت إلى اقتحامه في ذكرى (يوم القدس)، الذي وافَقَ الأحد 13 أيار عَشيّة ذكرى النكبة الفلسطينية، مُعلِنَةً اقتحامَ الحَرَم القدسي من باب الخليل.
ولأن هذه الجماعات لها منصّاتٌ إعلامية وصفحاتٌ على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فقد أطلقت هاشتاج «#2000 في يوم القدس»؛ لتكثيف اقتحاماتهم للمسجد، كما وَزّعت المنشوراتِ؛ كي تَحُثَّ على زيادة أعداد المقتحمين من اليهود بصورةٍ تدريجية؛ حتى يَتَسَنّى لهم فَرْضُ السيادة اليهودية على الحرم القدسي، وإعادة بناء الهيكل المزعوم. وبالفعل اقتحم المستوطنون ساحاتِ الأقصى من باب الخليل، ووصلوا إلى قلب ساحات المسجد الأقصى المبارك.
وذكرت هذه الجماعات خلال حملتها الإعلانية عباراتٍ استفزازيّةً للمسلمين وتَشجيعيّة لجماعات المستوطنين قائلةً: سنقتحم (جبل الهيكل)؛ حتى نبنيَ هيكلنا ونَصِلَ إلى الخلاص، وسيكون اقتحامنا برفقة الأبطال جنودِ الجيش الإسرائيلي.
وشهدت ساحات المسجد الأقصى المبارك خلال عام 2018م حَوالَي 465 اقتحامًا من قِبَل المستوطنين؛ منها ما يكون صباحًا ومنها ما يكون بعد الظهيرة، ودائمًا ما يرافق المقتحمين حاخاماتٌ وطلابُ المدارس الدينية اليهودية، وخلال اقتحاماتهم يُغَنّون، وأحيانًا يقيمون حفلاتِ زواج، حيث أُقيم في شهر أبريل الماضي 13 حفلَ زواج. وبالنسبة لأعداد المقتحمين لساحات المسجد الأقصى خلال هذا العام، فقد بلغت حَوالَي 28606 مستوطنٍ، وذلك وَفقَ رصدٍ يوميّ لما تفيده المصادر المعنيّة بتلك الإحصاءات، وقامت به وحدة اللغة العبرية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف.
ويتبين من المخطط التفصيلي رقم (1) المرفق أن هناك بعض الأشهر في السنة تتزايد فيها نسبة اقتحامات المستوطنين، وهذه الأشهر يتخلّلها أيام أعياد ومناسبات صهيونية. فمثلًا: شهر نيسان؛ اقتحم حَوالَي 2500 مستوطنٍ ساحاتِ المسجد الأقصى وحائط البُراق بمناسبة عيد الفصح اليهودي، وفي الأسبوع الثالث من الشهر ذاتِه، اقتحم 600 مستوطنٍ ساحاتِ الأقصى، من بينهم: 265 في يوم 19 أبريل؛ ذكرى ما يُسَمّى بـ (الاستقلال). وإذا نظرنا إلى أيار، سنجد تَزايُد أعداد المقتحمين فيه؛ وذلك بسبب ما يُسَمّى بـ (يوم القدس)؛ حيث اقتحم، يومَ 13 أيار، 2084 مستوطنٍ، ساحاتِ المسجد الأقصى، واقتحم 295 مستوطنٍ، خلال الاحتفال بعيد الأسابيع، في الحادي والعشرين من الشهر ذاتِه.
أمّا تموز؛ فقد كان من الأَشْهُر التي تزايدت فيها أعداد المقتحمين؛ وذلك بسبب ذكرى خراب (الهيكل) المزعوم؛ فقد اقتحم ساحاتِ الأقصى وحائط البُراق 1440 مستوطنٍ. كما شهد أيلول أكبرَ عددٍ من المقتحمين لساحات المسجد الأقصى؛ بسبب تزامُنه مع احتفالات اليهود بعيدين مشهورين في التراث الديني اليهودي؛ وهما: عيد الغفران، وأعياد المظال.
وجديرٌ بالذكر؛ أنه أثناء احتفالات المسلمين بأعيادهم وخلال شهر رمضان، يكون هناك انخفاضٌ في أعداد المقتحمين؛ وذلك خوفًا من وُقوع مُصادَماتٍ بين المقتحمين والمسلمين المرابطين في القدس، حيث انخفضت أعدادهم في حزيران ووصلتْ إلى 1225 مُقتَحِمٍ.
كما قامت «الوحدة» بقياس وتيرة الاقتحامات ومقارنتها بالأعوام الماضية؛ لتقفَ بذلك على الأسباب التي جعلتْ من ساحات المسجد الأقصى هدفًا لهذه الجماعات من المستوطنين.
ويتبين من المخطط التوضيحي رقم (2) أن أعداد المقتحمين لساحات المسجد الأقصى في تزايُدٍ مستمر بدايةً من عام 2016م، حيث بلغ عدد المقتحمين، وَفقًا لما رصدته «الوحدة» من المصادر العبرية، 14626 مستوطنٍ، بينما تزايدت الأعداد بشكلٍ كبير في عام 2017م، بنسبةِ زيادةٍ عن عام 2016م قَدرُها 75%، وتزايدت أعداد المقتحمين خلال هذا العام مُقارَنةً بالعام الماضي، بنسبة قدرُها 11.6%. ومن هذه البيانات والمؤشرات: يَتّضِح أن الكِيان الصهيوني يسعى بأدواته المختلفة وأَذرُعه المتطرفة، إلى تحقيق أهدافه الخبيثة؛ الأمر الذي يعني أن خُطّة التقسيم الصهيوني الزماني للمسجد الأقصى تسير في خطواتٍ ثابتة نحو هدفها؛ مما يُنذِر بإشعال حربٍ دينيةٍ قد تقضي على الأخضر واليابس، وتُهَدِّد السلامَ والاستقرار العالمي.
ولم تَكتفِ جماعاتُ المستوطنين باقتحاماتهم لساحات الأقصى المبارك، بل سَعَتْ إلى فرض طابعها اليهودي والصهيوني على الحَرَم الإبراهيمي، وتحويله إلى «كَنيسٍ يهودي»، من خلال الاحتفال بأعيادها المزعومة، وفعالياتها اليهودية التي تقيمها من حينٍ إلى آخَرَ.
وفي هذا الصدد، تابعت وحدة الرصد باللغة العبرية الانتهاكاتِ التي يمارسها المستوطنون بحق المقدسات الإسلامية في الخليل؛ حيث قام حوالي 40 ألفًا من المستوطنين يوم السبت 3 تشرين ثاني 2018 بنَصْب خيامٍ استيطانية في العديد من الأماكن في البلدة القديمة في الخليل، وفي مستوطنة «كريات أربع»، وشرعوا في الاحتفال بما يُطلق عليه في اليهودية عيد «سبت حياة سارة»، وسط حراسة مشددة من قِبَل قوات الاحتلال الصهيوني، لتمكينهم من أداء صلواتهم وطقوسهم التلمودية في ساحات المسجد الإبراهيمي بالخليل. وأطلقوا أبواقهم ومزاميرهم في باحات الحرم الإبراهيمي وأروقته وساحاته الخارجية، وفضلًا عن ذلك شرعوا في الرقص على أنغام الموسيقى الصاخبة في ساحاته؛ احتفالًا بما يُسَمّى «سبت حياة سارة».
كما أن مُمارَسات سلطات الكِيان الصهيوني الغاشمة بحق الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية لم تقتصر فقط على اقتحامات باحات المساجد، بل شملت كذلك التضييقَ على المصلين المسلمين وعلى زائري المسجد الإبراهيمي بصورةٍ مستمرة، ومَنْع رفْع الأذان فيه عِدّة مرات، فضلًا عن إغلاق الحرم الإبراهيمي أمام المصلين المسلمين في صلاة المغرب. كما شَهِدَ الحَرَمُ الإبراهيمي وقبر يوسف، مساء الإثنين 10 كانون أول 2018م، اقتحامًا من قِبَل آلاف المستوطنين، حيث اقتحم 7500 مستوطنٍ عِدّةَ مواقِعَ؛ هي: قبر يوسف في مدينة نابلس، ومدينة حلحول، والحرم الإبراهيمي في الخليل، وخلال اقتحامهم أقاموا صلواتِهم اليهوديةَ وطقوسَهم التلمودية، فضلًا عن الاحتفال بعيد «الأنوار» اليهودي؛ حيث قاموا بإشعال الشموع في ساحات قبر يوسف.
وفي السياق ذاتِه، اقتحم أكثر من 1400 مستوطنٍ قبرَ يوسف، تحتَ جُنْح الظلام، يوم السبت 23/6/2018م، برفقة حراسةٍ مُشَدَّدة، وحدثت مواجهاتٌ عنيفة مع الفلسطينيين الذين حاولوا التصدي للمستوطنين اليهود.
ويُشَكِّل «قبر» أو «مقام يوسف»، خلال السنوات الأخيرة، عنوانَ صراعٍ بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد أن أصبح مزارًا مُعتادًا للمستوطنين، رغم أن العديد من الدراسات التاريخية والأبحاث الأثرية تنفي الادعاءاتِ الصهيونيّةَ؛ بأن المكان يعود للنبي «يوسف» عليه السلام. وأثبتت الكثير من الدراسات التي أُجريتْ للمقام، أنه بناءٌ إسلامي، يَخلو من أيّ إشاراتٍ أثرية أو تاريخية، تَدُلّ على الفترة التي عاش فيها النبي «يوسف»، قبلَ 3500 عامٍ، أي في العصر البرونزي، وهذا يؤكّد الروايةَ التاريخية، التي تقول: إنه يعود لوَليٍّ صالح سَكَنَ المنطقةَ قديمًا. إضافةً إلى أن التاريخ لم يذكر مكان دفْن الأنبياء بصورةٍ مؤكدة ودقيقة، سوى نبيٍّ واحد؛ وهو سيدنا «محمد» عليه الصلاة والسلام، خاتمُ الأنبياء والمرسلين.