"هدى" بنت مذبحة الشاطئ.. دَرسَتْ المحاماة لمقاضاة إسرائيل (فيديو)


أنباء الوطن -

 

طوال 14 عاماً، لم تفارق مرارةُ الحرمان قلبَ الفتاة الفلسطينية هدى غالية، التي فقدت أفراد عائلتها أمام ناظريها في مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 2006، إذ لم يبلغ عمرها آنذاك 12 ربيعاً.

ففي نهار الجمعة التاسع من يونيو/تموز 2006، وعلى شاطئ بحر بلدة "بيت لاهيا" شمال قطاع غزة، أفاقت الطفلة هدى، على مقتل والدها وخمسة من أشقائها، بقذيفةٍ من بارجة إسرائيلية، استهدفتهم أثناء استجمامهم على الشاطئ، ليكون البحر شاهداً على رحلةٍ كُتب لها أن تُحال إلى مجزرة.

مصور تلفزيوني فلسطيني وثّق تفاصيل المجزرة، إذ التقطت عدسته الطفلة هدى "آنذاك"، وهي تبحث عن والدها وأشقائها، قبل أن تجدهم مضرجين بدمائهم على رمال الشاطئ؛ لتبدأ بالصراخ والنحيب.

وأثارت مشاهد المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد العائلة المسالمة، سخطا كبيرا على مستوى العالم.

https://www.youtube.com/watch?v=qR2pZGbfKAk&feature=youtu.be

 

** بداية المشوار

اليوم، وبعد أربعة عشر عاماً، حصلت "هدى" على إجازة مزاولة المحاماة، بعد إتمامها دراسة الحقوق؛ فتلك الطفلة - التي وثّقت عدسات الكاميرات بكاءها على صدر والدها المُسجى بدمائه على الشاطئ - أضحت محاميةً تسعى لمحاكمة مَن حرَمها حنان الأب.

بدأت المحامية الواعدة تشق طريقها أملاً في تحقيق مبتغاها في مقاضاة إسرائيل على جريمة قتل عائلتها، بعد أن تعذّر ذلك طوال سنين مضت.

تقول "هدى"، في حديث لوكالة الأناضول: "لم يكن سهلاً على طفلة مثلي في ذلك الوقت، العيش بعد فقدان أبِ وخمسة أشقاء، فكل طفل يودّ أن ينعم ويكبر في حضن والديه، إلا أنني سُلبت هذا الحق منذ طفولتي، حين كُنتُ في أمسّ الحاجة لحنان الأب وعطفه".

وتتابع مُستذكرة الحادث الأليم: "رأيت والدي وإخوتي مُلقون على الأرض أمام ناظري، وقد فارقت أرواحُهم أجسادَهم، حين كُنا في خضم رحلة ترفيهية بعد انتهاء العام الدراسي".

** ذكرياتٌ أليمة

وتُشير "هدى" أن الرحلات إلى الشاطيء باتت تجبرها على استرجاع ذكرياتها الأليمة، مشيرةً أنها لم تعد تحبذ هذه الرحلات منذ وقوع المجزرة، حيث يمر الصيف تلو الآخر ونادرًا ما تذهب العائلة إلى الشاطئ.

وتضيف: "لم تدع قوات الاحتلال عائلتي وشأنها، فبعد سنوات قليلة قَتلت إحدى شقيقاتي وزوجها، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة 2008 – 2009، لتُضيف صفحة جديدة في سجلها الأسود".

وتروي: "ظلت مشاهد فقدان عائلتي ملازمةً وجداني وذاكرتي، وشكّلت حافزاً شخصياً يدفعني نحو السعي لاستعادة ولو جزء بسيط من حقنا، لذا قررتُ دراسة الحقوق لأغدو محاميةً أدافع عن حق أبناء شعبي المظلوم".

وتستدرك قائلةً: "لست وحدي من فقدتُ والدي وأشقائي بفعل مجازر الاحتلال، فهناك مئات العائلات الفلسطينية، التي نزعت قوات الاحتلال البسمة من شفاه أطفالها، وسلبتها أبسط حقوقها".

** تحدّي الظروف

الفتاة المكلومة قرّرت تحدي ظروفها القاسية، والتغلب على ألم الفراق ومعاناته، وتحقيق ذاتها، "فذاك قدر الشعب الفلسطيني أن يصنع من المحنة منحة، ويولّد من الألم أملاً"، تقول هدى.

أنهت "هدى" دراسة الثانوية العامة صيف عام 2012، والتحقت بكلية القانون في الجامعة الإسلامية بغزة، بعد أن حصلت على منحة دراسية، إلى أن أتمّت درجة البكالوريوس عام 2017، ومُنحت مؤخراً إجازة مزاولة مهنة المحاماة.

وتستعد الفتاة الفلسطينية إلى الالتحاق بالدراسات العليا (الماجستير) في نفس التخصص، وذلك على نفقة الجامعة.

وخلال الشهور التي تلت الحادثة، وثّقت المراكز الحقوقية في تقاريرها شهادة "هدى" وباقي أفراد عائلتها الناجين من المجزرة؛ لكن كما تقول هدى: "لم تتوصل إلى نتائج عملية تُفضي إلى تدفيع إسرائيل ثمن جرائمها بحق شعبنا الأعزل".

وتتابع: "هذا الأمر دفعني لمحاولة بذل جهد شخصي على أمل أن تأتي فرصة مناسبة".

** مُبتغى صعب وإرادة موجودة

وتُقرّ الفتاة بصعوبة طريقها نحو تحقيق أملها، لا سيما في ظل إرادة دولية مُنحازة، لكنها في ذات الوقت، تؤمن بأنه لا يضيع حقّ وراءه مُطالب، و"سيأتي اليوم الذي تُحاسب فيها إسرائيل على جرائمها".

وتأمل "هدى" في تلقّي العون والمساعدة من المؤسسات الحقوقية، العربية أو الدولية، لتحقيق مسعاها، في ظل اعتزام محكمة الجنايات الدولية فتح تحقيق في الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، إلا أنها لم تتلقّ بعد تواصلاً من أي جهة.

وتوضح: "سأسعى جاهدة للانخراط في عمل المؤسسات الحقوقية، كخطوة أولى على طريق الوصول إلى محاكمة فعلية لقادة الاحتلال"، لكنها استدركت: "اليد الواحدة لا تُصفق، والأمر يحتاج جهود الجهات المعنية كافة، خصوصاً في ظل مواجهة خصم كإسرائيل".

وتختم هدى بالقول إن المحامي هو أكثر الناس قدرة على الدفاع عن القضايا الإنسانية، والتعبير عن أصحاب الحقوق المغتصبة، لذا فهي تسعى لتطوير ذاتها في سبيل خدمة قضيتها، وهي واثقة من تحقيق ذلك عاجلاً أم آجلاً.