السعودية في وضع مالي صلب


أنباء الوطن -

عندما انهارت أسعار النفط بعد تفشي وباء كورونا أوائل العام الجاري، ظن الكثير من المراقبين أن المملكة العربية السعودية ستدخل نفقًا مظلمًا، وقد تضطر إلى إبطاء إستراتيجيتها التنموية المعروفة بـ ”رؤية 2030“ لتركز على إنقاذ نظامها المالي.

ومن بين تلك السيناريوهات المتشائمة، التقرير الذي أصدرته أخيرًا ”مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات“ في واشنطن، والذي قالت فيه إن رؤية 2030 قد تتوقف بسبب تفشي كورونا، والانخفاض الحاد في أسعار النفط وإنتاج المملكة، زاعمة أن هناك ”عاصفة قوية بدأت تهب بشكل بطيء في المملكة وقد تطيح بإنجازاتها.“

لكن التقرير لم يشر إلى الوضع المالي الحقيقي للسعودية أو الظروف الصعبة التي مرت فيها خلال العقود الماضية ونجحت في تجاوزها رغم صعوبتها، بما فيها انهيار أسعار النفط العام 2008 بعد تدهور اقتصادات العالم، وانهيار أسواق المال.

ووفقًا لبيانات رسمية، تمتلك السعودية، أكبر مصدر نفط في العالم، ما يقارب من 865 مليار دولار على شكل احتياطات مالية خارجية بما فيها نحو 505 مليارات دولار تابعة لمؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) وحوالي 360 مليار دولار لصندوق الاستثمارات العامة الذي يعد الصندوق السيادي للمملكة.

ثالث أكبر صندوق سيادي

وهذا يعني أن السعودية، أكبر اقتصاد عربي، تمتلك ثالث أكبر صندوق سيادي في العالم بعد الصندوقين السياديين في النرويج والصين، على الرغم من تصاعد الإنفاق العام بشكل كبير خلال السنوات الماضية بهدف حفز النمو الاقتصادي ودعم القطاع الخاص.

وقال كبير الاقتصاديين في البنك السعودي البريطاني في الرياض، جيمس ريف:“إن الوضع المالي للمملكة قوي الآن، ولا أعتقد أنها تعاني من أية مشكلة فيما يتعلق بتمويل عجز الميزانية الذي يمكن أن يرتفع نتيجة تراجع الإيرادات النفطية العام الجاري“.

سهولة تمويل العجز

وأضاف ريف لـ ”إرم نيوز“ أن توقعاتنا بالنسبة لعجز الميزانية العام 2020 هي أنه سيبلغ نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن سيتم تمويله بسهولة من خلال السحب من الاحتياط الخارجي والاقتراض عن طريق إصدار سندات محلية ودولية.. أنا شخصيًا لا أرى أية مشكلة في ذلك، ولا تنسى أن هناك دائمًا طلبًا قويًا من قبل المستثمرين على السندات التي تصدرها الحكومة السعودية سواء داخليًا أو خارجيًا“.

وبحسب توقعات البنك السعودي البريطاني، فإن متوسط أسعار الخام السعودي سيبلغ حوالي 39 دولارًا للبرميل العام 2020، وهو أدنى بكثير من أسعار العام 2019 البالغة 66 دولارًا، ويقل أيضًا عن السعر المفترض في الميزانية السعودية عند حوالي 45 دولارًا.

وأشار ريف إلى أن العجز كان يمكن أن يرتفع بشكل كبير في حال لم تبادر الرياض إلى خفض النفقات في بعض القطاعات لموازنة الزيادة في الإنفاق على القطاع الصحي والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة جائحة كورونا.

ولفت إلى أن إجمالي الإنفاق الفعلي العام 2020 سيتراجع بنسبة 11% في حين ستنخفض الإيرادات العامة بمقدار 28%، مشيرًا إلى أن التراجع سيعوضه الارتفاع في إيرادات الضريبة المضافة والزيادة المتوقعة في صادرات النفط الخام للمملكة بسبب تراجع الطلب المحلي نتيجة تفشي وباء كورونا.

قاعدة مالية قوية

وقال محلل الطاقة السابق في مركز دراسات الطاقة العالمي في لندن، ليو درولاس:“مخطئ من يقول إن السعودية تواجه أزمة مالية فقط لأن أسعار النفط ضعيفة.. صحيح أن الظروف غير مواتية لكنها هكذا لجميع دول العالم في الوقت الحاضر.. ما أراه هو أن السعودية تستند الآن إلى قاعدة مالية قوية تتيح لها التعامل مع أي وضع مؤقت.“

ووفقًا لتقديرات جديدة  لشركة ”جدوى للاستثمار“ اطلعت عليها ”إرم نيوز“، فإن عجز الميزانية السعودية سيبلغ حوالي 362 مليار ريال (96 مليار دولار) بنهاية عام 2020، وهو أعلى من عجز العام 2019 البالغ 131 مليار ريال (35 مليار دولار)، لكنه أدنى من العجز المسجل عامي 2015 و 2016 عند 385 مليار ريال (102.6 مليار دولار) و 417 مليار ريال (111 مليار دولار) على التوالي.

خفض الإنتاج

وأشارت جدوى إلى أن العجز سيرتفع العام الجاري بسبب الهبوط الحاد المتوقع في الإيرادات من حوالي 917 مليار ريال (244.5 مليار دولار) العام 2019 إلى نحو 657 مليار ريال (175 مليار دولار) نتيجة تراجع الأسعار وإنتاج المملكة من نحو 9.8 مليون برميل يوميًا إلى 9.3 مليون برميل يوميًا بموجب التزامها بالاتفاق الذي قادته لمنتجي منظمة أوبك وشركائها لخفض الإمدادات بهدف منع انهيار الأسعار.

وتوقعت الشركة في تقريرها أن تنحسر تأثيرات كورونا، وتشهد المملكة تعافيًا اقتصاديًا وماليًا عام 2021، وأن يتراجع العجز بحدة إلى حوالي 134 مليار ريال (35.7 مليار دولار) نتيجة الارتفاع الكبير المتوقع في الإيرادات إلى ما يقارب من 856 مليار ريال (228 مليار دولار) أي بزيادة حوالي 30% عن إيرادات عام 2020.