هل لدى الأردن فرصة ذهبية في مجال التكنولوجيا؟..


أنباء الوطن -

 *المهندس نضال البيطار

يشهد العالم تطوّراً هائلاً في مجال التحوّل الرقميّ، حيث تتنافس معظم دول العالم فيما بينها لتحقيق الرخاء لمواطنيها من خلال استخدام الاتصالات والتكنولوجيا المتطوّرة سواء كانت بنية تحتية أو أنظمة أو حلول مبنية على التكنولوجيا الحديثة والابتكارات، مما يتطلب توفر أعداد كبيرة من الموارد البشرية المؤهلة التي تُعد الأساس في التحوّل الرقمي، حيث تطمح تلك الدول لتحتل مراتب عليا ضمن المؤشرات الدولية حول جاهزيتها.

 

وعلى الرغم من آثار جائحة كورونا، وتداعيات الحرب في أوكرانيا، وفي موازاة التضخم أيضاً، فإن الموازنات الماليّة المرصودة لتعزيز التحوّل الرقميّ في الدول سواء في القطاع العام أو الخاص بمختلف تفرعاته  (الصحية، المالية، الزراعية، التعليمية، الصناعية، الطاقة، المدن الذكية، وغيرها)، كبيرة جدا.

 

فبناءً على دراسات ومسوحات دولية، يخسر العالم 390 مليار دولار بسبب نقص الموارد البشرية المؤهلة والمتخصصة في مجال التكنولوجيا، كما ان 82% من المنظمات المختلفة من مختلف القطاعات تقول أنه من الصعب جذب المواهب والاحتفاظ بها، بينما 52% من قادة التكنولوجيا يرون أن فجوة المؤهلات مشكلة رئيسية.

 

وعلاوة على ذلك، يقدر حجم سوق تكنولوجيا المعلومات في العالم بنحو تريليوني دولار، في حين ان حجم سوق خدمات التعهيد والإسناد بالعالم (IT/BPO) يتوقع أن يصل في عام 2025 إلى نحو 900 مليار دولار، تستحوذ دول عديدة مثل الهند، والصين، والبرازيل، ودول شرق أوروبا على معظمها وغيرها من بعض الدول، وتشمل هذه الخدمات تطوير البرمجيات، والدعم الفني، ومراكز الاتصال، وتوكيد الجودة، واستضافة المواقع، وغيرها.

 

وبالإضافة إلى ذلك، ومن خلال بحث بسيط على الشبكة العنكبوتية، فإن مجموع ما تحتاجه دول عديدة حول العالم يقارب الثلاثة ملايين متخصص في مجال تكنولوجيا المعلومات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك حاجة لحوالي مليون متخصص في الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها، وحوالي 200 ألف في كندا، و124 ألف في ألمانيا، و70 ألف في السويد، و37 ألف في هولندا، و40 ألف في بريطانيا، و60 ألف في أستراليا، 15 ألف في فنلندا، وحوالي 170 ألف في فرنسا، و12 ألف في إيرلندا، و60 ألف في سنغافورة. 

 

ووفقا لدراسة بسيطة، أعلنت عنها جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات في الأردن – انتاج في شهر كانون الأول من العام الماضي، فإن عدد الخريجين من الكليات ذات العلاقة بالتكنولوجيا يتجاوز ال 7 آلاف طالب سنويّاً - سجل منهم حوالي 3 آلاف موظف في الضمان الاجتماعي عام 2020 - حيث اعتمدت جمعية “إنتاج” في نتائج دراستها على البيانات الحديثة الصادرة عن وزارة التعليم العاليّ الأردنيّة، علما أن مجموع عدد العاملين في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الأردن المسجلين في الضمان الاجتماعي هو حوالي 26 ألف موظف وموظفة، مما يعني أن هناك عدد كبير من الخريجين الذين بإمكانهم العمل ولكن لا توجد فرص عمل لهم لأسباب عديدة منها – وذلك بحسب أصحاب ومدراء شركات التكنولوجيا – أهمها ضعف المستوى المطلوب في اللغة الإنجليزية، وضعف المهارات الحياتية (التواصل، العمل بروح الفريق، الرغبة في تحقيق الذات، وغيرها)، بالإضافة إلى نقص في المهارات التقنية العملية، إلا أن هذه المهارات بالإمكان إتقانها من خلال التدريب العملي سواء في الشركات التي يتم توظيفهم فيها أو في معسكرات التدريب التقنية المتخصصة (Bootcamps)، والتي تدعمها وزارة الاقتصاد الرقميّ والريادة من خلال جمعية المهارات الرقميّة (DigiSkills)، والعديد من الجهات المانحة.

 

وفي المقابل، هنالك تحديات كبيرة تواجه المجتمع تتمثل في ان معدل البطالة وصل الى 50 بالمئة بين الشباب في الأردن وفق تقديرات البنك الدولي، علاوة على ان نسبة مشاركة المرأة الاقتصاديّة متدنية، بينما تصل نسبة الاناث الخريجات من تخصصات تكنولوجيا المعلومات الى حوالي 51 بالمئة.

 

وهنا يكّمن الحل، فاذا تم الاستفادة من الإمكانيات التي يتيحها قطاع تكنولوجيا المعلومات، فسيتم الحد من صعود معدلات البطالة، وخصوصا بالمحافظات، وذلك لان القطاع قادر على توفير وظائف بشكل كافي، نظرا للتغيرات المتسارعة التي تطرأ على الأسواق بسبب الثورة المعلوماتية الهائلة التي يعيشها العالم، وبسبب نجاح تجربة العمل عن بعد (Remote Work)، حيث أن الأردن يتمتع ببنية تحتية جيدة، ونسبة انتشار الإنترنت بين وفي جميع المحافظات تعتبرعالية جدا مقارنة بدول أخرى في المنطقة وحول العالم.

 

وبناء على ماورد أعلاه، فإن هناك طرفان بالإمكان أن يكونا من المستفيدين في حال تم العمل على تشبيكهم معا، وهما: شركات التكنولوجيا حول العالم التي تعاني من نقص حاد في الموارد البشرية المتخصصة، والشباب والشابات الأردنيين خريجي الجامعات الباحثين عن عمل، ولكن بدون إضافة طرف ثالث أساسي فلن يتم تحقيق الفائدة، وهذا الطرف هو شركات تكنولوجيا المعلومات الأردنيّة سواء كانت كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، والتي بحاجة إلى دعم استثنائي – سيتم ذكر تفاصيله لاحقا - لايقل عن عن دعم برامج التدريب من قبل الجهات المانحة.

 

وبالتالي، إذا أخذنا بعين الاعتبار الأطراف الثلاثة المذكورة أعلاه، فإن هناك فرصة حقيقية كبيرة لتحقيق مصالحها جميعا على مبدأ (Win-Win-Win)، إذ ستستفيد الشركات حول العالم التي بحاجة إلى موارد بشرية كفؤة، من خلال الشركات الأردنيّة التي ستوظف خريجين الجامعات بعد مواءمة مهاراتهم مع الاحتياجات المطلوبة مما سيحقق مزيدا من إيرادات التصدير ونمو الشركات وبالتالي تحصيل المزيد من الضرائب لخزينة الدولة.

 

وفي سبيل أن تتحقق هذه المعادلة لابد من تحديد تفاصيل ما لدى الشركات الأردنيّة من كفاءات، وأدوات، وعمليات، ومواد ترويجية، وتقييمها، ومن ثم يتم بناء قدراتها كل حسب الحاجة، وعليه يتم تحديد هوية الشركات في الدول وماهية احتياجاتها من موارد بشرية، ليتم توظيف الخريجين والخريجات الأردنيين بناء عليها.

 

إن هذه العملية في اعتقادي تحتاج إلى تكاتف الجهود بين جميع الجهات في المملكة من القطاعات العام، والخاص، والأكاديمي، والجهات المانحة، ومراكز التدريب المتخصصة.

 

ومن جانبها فإن جمعية "انتاج" تعمل حاليا على الإعداد لتأسيس وحدة متخصصة تسمى "تطوير الأعمال والجاهزية" (BDRU Unit) في سبيل أن تكون ميسرّ مع كافة الجهات نحو تشاركية حقيقية لتحقيق أهداف محددة يتم قياسها، تكون مهاها الأساسية تقييم جاهزية الشركات الأردنية، وبناء قدراتها الداخلية وتأهيلها لتكون على مستوى عالمي منافس، تكون جاذبة للشركات العالمية للتعاقد معها، بالإضافة إلى ذلك ستعمل هذه الوحدة على تحديد هويات الشركات العالمية التي بحاجة لموارد بشرية، وتشبيكها مع الشركات الأردنية المجهزة والمؤهلة، مما يعزز صادراتها ويساهم في نموها، إذ سيساهم ذلك إلى تحقيق رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني لجعل الأردن مركزا إقليميا مميزا في مجال تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي.

 

كما أن جمعية انتاج بالشراكة مع وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة وبرعاية ملكية سامية، ستعقد منتدى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات “MENA ICT Forum 2022” بتاريخ 16 -17 تشرين الثاني 2022 تحت عنوان "دمج التقنيات، ورقمنة تجسير الحدود، لإعادة تشكيل أجيال المستقبل"، إذ يهدف المنتدى لابراز الصورة الأمثل لمكانة الأردن ولما توصلت له الشركات الاردنية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وريادة الأعمال، كونه يجمع كبار قادة الاعمال واصحاب القرار وكبرى الشركات والمؤسسات المعنية في الاتصالات وتقنية المعلومات في المنطقة والعالم، كما سيشارك في المنتدى عدد كبير من المتحدثين الخبراء من مختلف دول العالم ليتم خلاله تبادل المعرفة والخبرات حول أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بالإضافة إلى إقامة مساحات عرض للشركات لترويج خدماتها وحلولها وعقد اجتماعات مع شركاء وزبائن ومستثمرين محتملين، مما سيكون فرصة كبيرة للتركيز على هذه المبادرة نحو المضي قدما بها بشكل جدي وتحديد إطار زمني لتحقيقها.

 

 

*الرئيس التنفيذي لجمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات – "انتاج"