زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني بحضور سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد إلى البادية الجنوبية التي شرفنا بها تأتي ضمن نهجه التواصلي مع أبناء الوطن وبناته، حيث أشار جلالته خلال اللقاء إلى خريطة أولويات بدأت في التحديث السياسي، والرؤية الاقتصادية والاصلاح الاداري لتعزيز مسيرة الدولة الأردنية في مئويتها الثانية، فالمرحلة المقبلة تتطلب تدعيم جسور الثقة بين مختلف مؤسسات الدولة مع أبناء الوطن، خصوصا الشباب الذين يشكلون «الثروة الأردنية»، وقدرتهم على ترجمة الفرص الاقتصادية لتكون عنوان التقدم والازدهار.
جلالة الملك اكد في حديثه على أهمية الاستثمار بثروات البادية الجنوبية والمقومات الكبيرة التي تزخر بها، خصوصا في مجالات الزراعة والسياحة والبيئة والتعدين، مبشرا برغبة العديد من الدول بالاستثمار في المملكة بخاصة في مجالي الأمن الغذائي والطاقة، وهنا حث جلالة الملك وولي عهده المفدى إلى ضرورة تشجيع الشباب على الاستفادة من فرص العمل المتوفرة في الاستثمارات الجديدة بالعقبة، فالتوجه بشكل واضح عنوانه الاقتصاد وتوفير فرص العمل وتشغيل الشباب.
العقبة في عيون جلالة الملك وولي العهد الامير الحسين، تعتبر وجهة متكاملة للاستثمار والترفيه والتجارة ذات مؤسسات عاملة واقتصاد متنوع يقوم على تنمية قابلة للاستدامة واستثمارات في شتى القطاعات، وهي مدينة اقتصادية مهمة في المنطقة لما تمتلكه من مقومات وحوافز استثمارية جعلتها بيئة استثمارية منافسة على مستوى الاقليم لاستقطاب رؤوس الاموال والمشاريع الكبرى، حيث يتطلب تأهيل الشباب وتدريبهم من اجل العمل في المشروعات الكبرى سواء في قطاع التكنولوجيا والانترنت او قطاع المحيكات الواعد بالاضافة للطاقة الخضراء والصناعات الخدمية.
النهج الملكي بدأ قبل اللقاء من خلال خطوات عملية تدعم خطط المملكة الاقتصادية من خلال تفقد جلالة الملك مع سمو ولي العهد محطة اوهيدة الزراعية بالبادية الجنوبية والتطوير الذي شهدته المحطة، لتكون نموذجا مهما للشراكة بين القطاعين العام والخاص، لتشجيع الاستثمار بالقطاع الزراعي. كذلك الاهتمام الملكي على تدريب أبناء المجتمع المحلي على أفضل التقنيات المستحدثة في القطاع، وأن تكون المحطات الزراعية بالمملكة حواضن للمشروعات المتقدمة، والتركيز على الاستفادة من الطاقة الشمسية لتخفيض النفقات التشغيلية، مما يؤدي إلى تحويل الصحاري من أراض قاحلة إلى نظم إيكولوجية حافلة بالفرص، ولذلك أمر جلالته بتخصيص 9 آلاف دونم للأسر في البوادي الثلاث تنفذ على مراحل بهدف إقامة مشروعات زراعية منتجة.
وكذلك تأتي زيارة جلالة الملك للمدرسة المهنية الوحيدة في البادية الجنوبية، في إطار اهتمام جلالته وحرصه على الارتقاء بمستوى التعليم والتدريب المهني المقدم لأبنائه الطلبة، لتكون مركزا متميزا قادرا على تدريب وتأهيل الطلبة وإكسابهم المهارات اللازمة للدخول في سوق العمل ، بالإضافةلتعزيز أطر الشراكة مع القطاع الخاص لجهة إتاحة الفرصة لطلبة المدارس المهنية من الاستفادة من التطورات التكنولوجية على مختلف المهن، وفرص التدريب العملي التي توفرها مؤسسات القطاع الخاص.
إن البادية الأردنية كنز عظيم، وهي ليست صحراء إنما أراضٍ تتنوع فيها الخيرات فهي خصبة قابلة للزراعة اذا تم رفدها بالمياه والتكنولوجيا وأمثلة عليها المشاريع المميزة التي استثمرتها القوات المسلحة (الجيش العربي) بالشراكة مع القطاع الخاص في الغمر والمدورة ورم وحوض الديسي وغيرها التي تؤكد ان هذه الأراضي قد تكون مصدراً هائلاً منتجاً للحبوب وسلة غذائية مهمة يمكن أن تُغطي حاجات البلاد، بل ويمكن وبنظرة متفائلة أن نتحول إلى دولة مصدرة للعالم اذا ما تم استغلالها بشكل صحيح.
كذلك البادية تشكل رافعة وحاضنة اقتصادية ترفد الوطن باهم الصناعات من فوسفات ونحاس ورمال السيلكا والعناصر النادرة، حيث تشكل العمود الفقري لتعزيز القيمة المضافة من خلال مصانع وتجمعات بتروكيماوية تنتج المواد الرئيسية في الاقتصاد الاخضر، وايضا الامونيا والاسمدة والمنتجات الزراعية من خلال التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي.
السياحة تعد رافدا مهما كون البادية تتمتع بميزات جاذبة متنوعة تثري تجربة السائح عبر تنظيم عروض وفعاليات في المناطق السياحية، إلى جانب التركيز على سياحة المسارات البيئية والثقافية والمغامرات.حيث ستساهم هذه النشاطات في خلق فرص عمل مستدامة، حيث وجه جلالته المعنيين إلى وضع خطة تنفيذية واضحة المعالم للمشاريع السياحية في البادية، مبيناً أهميّة تطوير البنية التحتية لاستقطاب السياحة الخارجية.
فجلالة الملك وسمو ولي العهد يحثان دائما على عدم الاستسلام إلى التحديات، فالأردنيون قادرون على التغلب عليها بالإرادة والعمل الجاد، من خلال التدريب وبناء القدرات وتنظيم دورات متخصصة في مهارات التواصل واللغات، والتشبيك مع القطاعين العام والخاص والمجتمعات المحلية.
إن مضمون الزيارة الملكية للبادية الجنوبية، يذهب إلى مسارات مهمة يتوجب معها من مختلف مؤسسات الدولة الانطلاق بعزيمة وبإرادة قوية وفتح الافاق للشباب لتحمل المسؤوليات لتحقيق رؤى وتطلعات مبادرات جلالته وولي عهده لتحقيق أهداف التنمية والغايات المرجوة من استغلال الفرص الكبيرة، وتحفيز قدرات ابنائها بالانتاج والتطوير.
أخيرا بشرنا جلالة الملك ببرنامج زيارات ميدانية مكثفة خلال الفترة القادمة للاستماع إلى تطلعات أبناء شعبه، لتشكل دافعاً لمختلف المسؤولين للتوجه إلى الميدان، فجلالته يؤمن دوماً أن الميدان وحده هو السبيل الأمثل لإيصال هموم المواطنين والعمل على معالجة الاختلالات وتصويب المسارات.
الدستور
|