إنه العشق للعراق القوي


أنباء الوطن -

د. منذر الحوارات

الخبر (أفادت وكالة الأنباء العراقية بتسجيل حالة وفاة و60 إصابة بين المشجعين نتيجة التدافع بمحيط ملعب جذع النخلة في البصرة قبيل المباراة النهائية لكأس الخليج بين العراق وعُمان)، هذا متن الخبر، بعده توالت التعليقات وردود الأفعال والقرارات والتي وصلت إلى حد التهديد بإيقاف المبارة أو تأجيلها ونقلها إلى مكان آخر، لقد اقتصرت جميع تلك الردود والتعليقات على نقد الإجراءات الأمنية وسلوك الجمهور للحد الذي وصفه البعض بالهمجية ووصفه البعض الآخر بالافتقار إلى الخبرة بسبب غياب العراق عن تنظيم مثل هذه البطولات لفترة طويلة، لكن السؤال المهم هل لامست كل تلك التحليلات والمواقف حقيقة ما كان يجول بخواطر العراقيين؟ 

منذ ساعات الفجر الأولى تدافعت الجماهير الهادرة من كل محافظات العراق نحو البصرة وتحديداً ملعب جذع النخلة وغالبيتهم ليس لديهم تذاكر لحضور المباراة وليس لديهم ربما تكلفة الإقامة افترشوا الأرض والساحات وطوقوا مداخل الملعب من كل الاتجاهات وحناجرهم تصدح بكلمة واحدة وهي العراق فبدوا كالسيل الهادر يتدفق بدون حدود وفي كل الاتجاهات، ورغم سقوط قتيل وعدد من الجرحى إلا أنهم لم يبالوا واستمروا بالتدافع في مشهد تقشعر له الأبدان وترتجف له المشاعر، لكن السؤال المحير هل هذا كله لأجل مباراة كرة قدم والأمل في الانتصار بها أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ لا شك أن الأمور تجاوزت المباراة وتجاوزت كأس الخليج وقفزت الأحلام إلى فضاءات أكثر رحابة وسعة من حدود الملعب بل تجاوزتها إلى احلام وآمال كاد يطويها الزمن وكادت الذاكرة العراقية تقفز فوقها وكأنها لم ولن تكون. 

إنها مقايسة من نوع غريب فأمام الجماهير ملعبان في كل منهما لاعبون مختلفون وبأهداف مختلفة الأول هو ملعب السياسة العراقية وهو ملعب الخصومة والعداوة والتقسيم والاحتراب في كل شيء وعلى كل شيء يتبارى فيه المختصمون بقتل بعضهم البعض، سلاحهم المواطن العراقي ودمه وماله الذي أصبح حلالا بالنسبة لهم لتحقيق غايتهم، هؤلاء هدفهم تجاه المرمى العراقي لتسجيل الأهداف لمصلحة الخصوم وهم كّثر فكل لاعب في ملعب السياسة والميليشيات له مدربه الخاص والذي له أهدافه وأجنداته الخاصة والتي لا تمت للعراق بصلة، لذلك وأنا أراقب الجموع الهادرة وهي ترتحل إلى البصرة وكأني بها تهرب من ذلك الملعب وواقعه المر وآلامه التي لا تنتهي إلى ملعب آخر جامع لكل أطياف العراق بقومياته وملله وطوائفه ساحته خضراء وقلوب الناس فيه بيضاء تضخ الشرايين فيه دمها في قلب العراق ولأجله.

أحد عشر لاعبًا كان هدفهم الوحيد هو مرمى الخصم لتحقيق الهدف وهو الانتصار والفوز في الكأس هذا بمنطق الرياضة، أما بمنطق الجماهير المحتشدة فهؤلاء اللاعبين صورة مصغرة عن العراق المُتخيَل والمأمول إنهم يمثلون الحلم لعراق لم يعيشوه بل سمعوا به وحلموا به، لقد تجاوز الحلم حدود الملعب وقفز فوق غصات الأمس القريب وجراحه وسواده، فهذه الجماهير حركها إحساسها وحلمها فاندفعت بهذا الزخم الهائل وهي لأجل حلمها هذا ستندفع ذات يوم لتسحق كل من وقف في طريق العراق القوي ودافع عن مصالح الأعداء وأجنداتهم لأجل منصب أو مكسب وضيع، ما حصل على بوابات الملعب وفي مدينة البصرة يؤكد أن العراق عائد إلى مكانته وموقعه الذي يستحقه طالما أن روح المواطن العراقي غارقة في عشقه والهيام به وهي التي ركلت في لحظة كل التقسيمات والانقسامات التي صنعها سياسيون ومليشيات غطت عيونهم مصالحهم الضيقة والآنية، فكان الملعب وساحاته دليلا لا لبس فيه على أن هذا العراقي قادر على أن يصمد ويضمد كل جراحاته ويهتف فقط للعراق الذي يريده ويحلم به