الرفاتي يكتب: الجدل الدائر حول أحقية البنوك برفع أسعار الفائدة على القروض من عدمه
- زياد الرفاتي
يستخدم البنك المركزي الأردني أدوات و أساليب كمية للسياسة النقدية التي يمكن التأثير والتحكم من خلالها بكمية النقود المتداولة وحجم الائتمان المصرفي، مثل سياسة الاحتياطي النقدي الإلزامي، سياسة السوق المفتوحة، وسعر الفائدة في سوق اقراض بين البنوك ( الانتر بنك ) لليلة واحدة أو لأسبوع وتجدد حسب الحاجة الى السيولة .
ويقوم البنك المركزي بين فترة وأخرى بتعديل سعر الفائدة إما بالزيادة أو بالتخفيض للمحافظة على تنافسية الأدوات المالية الادخارية بالدينار الأردني في ضوء تطورات أسعار الفائدة في الأسواق الدولية لارتباط الدينار الأردني بسعر صرف الدولار الأمريكي والمحافظة على الاستقرار النقدي في المملكة .
و قد رفع البنك المركزي هذا السعر ثماني مرات في أقل من أحد عشر شهرا منذ اذار 2022 وحتى بداية شهر شباط من العام الحالي على أثر قيام الفيدرالي الأمريكي بالرفع، وعلى ضوء ذلك قامت البنوك المحلية بشكل تلقائي برفع سعر الفائدة على القروض الشخصية والقروض السكنية بشكل خاص، وشمل ذلك رفعها لسعر الفائدة على القروض القائمة الممنوحة منذ فترات زمنية سابقة لما قبل قرارات الرفع، بينما هذه القروض كانت البنوك مولتها من أموال سابقة بتكلفة تاريخية لا علاقة لها بأموال جديدة التي تحصل عليها بعد تاريخ قرار البنك المركزي برفع السعر، فالأرصدة القائمة في المحافظ الائتمانية للبنوك ولا سيما القروض الشخصية والقروض السكنية لم تمول بالكامل من عمليات الانتر بنك وبهذا الحجم الكبير ولا يتم ذلك من الناحية العملية، بل أن البنوك تمول معظم قروضها السكنية بقروض طويلة الأجل تحصل عليها من الشركة الأردنية لاعادة تمويل الرهن العقاري المملوكة من البنك المركزي والبنوك المحلية
و تقوم البنوك بالرفع بمجرد إصدار البنك المركزي قرار رفع سعر الفائدة وهو يخص البنوك التي ترغب بالاقتراض منه وهو اقتراض قصير الأجل، بينما تقوم البنوك بالرفع مباشرة حتى ولو لم تقم بالاقتراض من البنك المركزي، حيث أن الاقتراض ليس إلزاميا وهو خيار و يعود حسب وضع السيولة لدى كل بنك و حاجته لها .
وقرار الاقتراض من عدمه يتحكم به عامل القدرة على توفير السيولة لديها من مصادر أخرى كودائع العملاء مثلا التي تعتير مصرفيا مصدر الأموال الأساسي للبنوك في الاقراض، حيث تقاس بنسبة القروض الى الودائع والتي يجب أن لا تتجاوز 70% وليس أموال الاقتراض ما بين البنوك التي تعتبر سيولة مؤقتة ولا تتصف بالديمومة وتكون مدة استحقاق سدادها قصيرة الأجل و تسدد في وقت أسرع ويسبق بكثير تاريخ استحقاق سداد قروض العملاء التي تمتد كما أسلفنا إلى عشرة سنوات كحد أقصى ويستمر البنك في استيفاء الفائدة المرتفعة عليها طوال سنوات القرض بينما يكون هو قد سدد الأموال المقترضة في وقت أسبق .
ويفترض بالبنوك أن يكون لها القدرة على امتصاص وتحمل أي رفع غير مؤثر على سعر الفائدة في ظل ملاءتها المالية المتينة وقاعدتها الرأسمالية وربحيتها الوفيرة ومراكزها المالية القوية وتنوع استثماراتها وايراداتها من أوجه التوظيف المختلفة، وسيكون مستوى ربحية البنوك للعام 2022 قياسيا بالنظر الى الارتفاع المتلاحق لسعر الفائدة وانعكاس ذلك بارتفاع عوائد الملاك والمساهمين ومطالبتهم برفع نسب التوزيع ، وكذلك ارتفاع العوائد الضريبية للخزينة العامة .
فالبنوك أحيانا عليها أن تراعي ظروف العملاء نظرا لإمكانياتها و قدراتها ولاعتبارات اقتصادية واجتماعية وإنسانية أخرى ولا سيما قطاع الأفراد ، حتى وان كانت شروط الاتفاقبات مع المقترضين تتضمن بندا بتعديل سعر الفائدة حيث أن الاستناد الى ذلك وبغض النظر عن المبررات والعوامل والمؤئرات الاقتصادية الدولية التي هي ليست محلية فسره القانونيون بأن فيه تحميل المقترضين كلف اضافية عن العقود المبرمة لم تكن في الحسبان عند ابرام العقد بتغير مدة السداد وقيمة القسط بالارتقاع وبأنه شرط اذعان أو اجحاف وليس كل ما ورد في العقود الموقعة ملزم والقضاء هو صاحب القرار بالأخذ بها من عدمه .
كما أن حساسية التأثر بأدوات السياسة النقدية تعتمد هلى اجال الاستحقاق للموجودات والمطلوبات المسعرة بالفائدة في ميزانيات البنوك ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مؤشر القروض طويلة الأجل تربطه البنوك حاليا مع أدوات السياسة النقدية التي تتعلق بودائع العملاء قصيرة الأجل أكثر من تعلقها بالقروض التي تتطلب ربطها بمؤشرات أدوات استحقاق مشابهة لها في أجال الاستحقاق مثل أدوات السندات طويلة الأجل .
إن رفع سعر الفائدة وما ينتج عنه من تمديد مدة القرض لفترات طويلة واستنزاف جزءا إضافيا من الدخل لمواجهة الفوائد الاضافية الناتجة عن الرفع له تبعات سلبية على النمو الاقتصادي، وتعثر المقترضين، و تراجع الإنفاق، و خفض الطلب على السلع و الخدمات، وعدم القدرة على مواجهة الالتزامات والاحتياجات الحياتية الملحة، ويصبح عامل سعر الفائدة طاردا بدلا من أن يكون جاذبا، وكأن البنوك تحمل المقترضين كلف مخاطر أسعار الفائدة وتقوم بنقل الأثر اليهم انيا وفي المدى القصير وتلغي دور ادارات المخاطر لديها وسياساتها وتقلل من تكلفة المخاطر عليها بنقلها الى المقترضين .
والحديث من أن رفع الفائدة يجنب تفاقم الأسعار لمستويات قياسية وضعف العملة الوطنية والنظر الى ذلك كقرينة لما يحدث في بعض دول المنطقة ليس في مكانه، اذ أن ظروف تلك الدول وأوضاعها الداخلية مختلفة تماما عن المملكة من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي سببت لها ضعف عملاتها المحلية وهي تعاني من ذلك منذ سنوات طويلة وليس مع موجة التضخم الأمريكي التي بدأت في الربع الأول من العام 2022 المدفوعة بتبعات جائحة كورونا بضخ السيولة للمواطنين والشركات المتضررين على شكل اعانات والحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة .
لقد صدر قرار قضائي من محكمة التمييز في العام 2019 بعدم أحقية البنوك برفع سعر الفائدة على القروض القائمة على أثر قضية مقامة من أحد العملاء المتضررين على أحد البنوك وصدر القرار لصالح العميل، وصدر قرار أخر من محكمة التمييز في العام 2022 بجواز قيام البنوك بالتعديل .
وفي ظل هذا التباين والمعالجة لكل حالة بحالتها وعدم وجود قاعدة عامة تعمم على كافة الحالات وعدم قدرة معظم المقترضين على تحمل المصاريف القانونية لاقامة القضايا، فانه من الأفضل حسم الجدل والنقاش فيه الذي اتسع مصرفيا ورسميا ونيابيا وشعبيا بالذهاب به الى التحكيم من خلال هيئة تحكيم تشكل لهذه الغاية من محكمين من القطاع الخاص والدائرة القانونية في البنك المركزي وكلية الحقوق من احدى الجامعات الأردنية ولها الاستعانة بما تراه مناسبا لاتخاذ القرار النهائي والحاسم بشأنه وانهاء الجدل حول ذلك .
خبير اقتصادي ومالي