كيف حافظ الدينار الأردني على استقراره وقوته؟


أنباء الوطن -

16.6 مليار دولار الاحتياطيّات الأجنبيّة من العملات الأجنبيّة
** السياسة النقديّة في العالم تشهد تحوّلات هي الأكثر حدّة وسرعة منذ أكثر من أربعة عقود
** ارتفاع التسهيلات الائتمانيّة بنسبة 8.5%، أو ما قيمته 2.6 مليار دينار في 2022
** ارتفاع حجم الودائع لدى البنوك بنسبة 6.5% أو ما قيمته 2.6 مليار دينار في 2022
** شكّلت الزيادة في الودائع بالدينار حوالي 87.3% من إجماليّ الزيادة في الودائع
** 63% من قروض العملاء ممنوحة بسعر فائدة ثابت، ولم تتأثّر بقرارات أسعار الفائدة
** البنك المركزيّ يوازن بين الاستقرار النقديّ ودعم النموّ الاقتصاديّ
** المحافظة على ثبات سعر صرف الدينار الأردنيّ أمام الدولار الأمريكيّ هو أساس الاستقرار النقديّ والماليّ في المملكة منذ عام 1995
** أسعار الفائدة هي الأداة الأهمّ الّتي تستخدمها البنوك المركزيّة حول العالم وكافّة البنوك المركزيّة في المنطقة لمواجهة الضغوط التضخّميّة
** البنك المركزيّ الأردنيّ يلتزم، تنفيذاً لقانونه، بالمحافظة على الاستقرار النقديّ والمصرفيّ.
** رفع أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقديّة بواقع 450 نقطة أساس لم ينعكس منها سوى 185 نقطة أساس على أسعار فائدة قروض العملاء.
** المنافسة بين البنوك وتوفّر سيولة كافية للإقراض في السوق النقديّ وثبات أسعار فائدة التمويل الممنوح عبر برنامجي البنك المركزيّ أدّت إلى اعتدال الارتفاع في أسعار فائدة الإقراض.

سلامة الدرعاوي

عمان- يحظى الاستقرار النقدي، الذي يتضمن استقرار سعر صرف العملة والمحافظة على القوة الشرائية لها، بأهمية كبيرة لأي اقتصاد، فهو يعد ركناً أساسياً من أركان الاستقرار الاقتصادي الكلي، الذي من دونه لا يمكن أن تحدث عن تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل، والتخطيط للمستقبل واتخاذ القرارات الصحيحة بشأن الاستثمار والاستهلاك.
مهمة الحفاظ على الاستقرار النقدي، المنوطة بالبنوك المركزية، وتتربع على سلم أولوياتها، لم تكن بالمهمة سهلة في العام 2022، إذ واجهت أسواق العملات الأجنبية عاماً صعباً، وخاصة في الدول الناشئة التي شهدت العديد منها تراجعاً في أسعار صرف عملاتها، في ظل الحالة الكبيرة من عدم اليقين التي يعيشها العالم، والضغوطات الجيوسياسية الناجمة عن الحرب الروسية الأكرانية، وارتفاع معدلات التضخم. الدول العربية لم تكن بمنأى عن ذلك، حيث شهدت خمس دول تراجعاً في قيمة عملتها خلال الفترة الماضية؛ مما أثر على القدرة الشرائية لمواطنيها.
وسط ذلك، قد يتساءل البعض كيف حافظ الدينار الأردني على استقراره وقوته؟ والجواب هو أن الأمر يعود إلى السياسة الحصيفة التي ينتهجها البنك المركزي في الحفاظ على الاستقرار النقدي، مستنداً في ذلك إلى المهنية والمصداقية العالية التي يتمتع بها، والاستقلالية في قراراته.

فخلال العقود الثلاثة الماضية، نجح البنك المركزي في إرساء أسس قوية للاستقرار النقدي والمصرفي في المملكة، رغم التطورات الاقتصادية غير المواتية في العديد من دول المنطقة وما شهدته من تحولات سياسية وأمنية غير مواتية منذ العام 2011، وكذلك الصدمات العميقة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي، لا سيما خلال الأزمة المالية في العام 2008 وجائحة كورونا في العام 2020.
وعزز هذا الاستقرار نجاح البنك المركزي في الحفاظ على مستويات كافية من الاحتياطيات الأجنبية، والتي تبلغ حالياً 16.6 مليار دولار، وإدارته الكفؤة للسياسة النقدية وتوظيف أدواتها المتاحة بما يكفل تحقيق هدفه الرئيس المتمثل بالحفاظ على الاستقرار النقدي في المملكة.
وقد أجمعت التقارير الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية، وشركات التصنيف الائتماني، على ملاءمة سعر الصرف الحالي للدينار، وتوافقه مع أساسيات الاقتصاد الأردني.
وهذه المؤسسات لا تجامل في تقييمها المبني على دراسات معمقة، فهي تتمتع بمصداقية عالية على الساحة العالمية، وتعد تقاريرها مرجعاً رئيسياً للمستثمرين الدوليين في قراراتهم الاستثمارية.
الإصلاحات الاقتصادية التي طبقتها المملكة كان لها أيضاً دور في زيادة قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة الصدمات، وتسهيل مهمة البنك المركزي في الحفاظ على الاستقرار النقدي في هذه الظروف، وهذا يؤكد ضرورة مواصلة الإصلاحات الاقتصادية، والالتزام بتنفيذ ما ورد منها في محاور رؤية التحديث الاقتصادي.
في الوقت الراهن، تشهد السياسة النقدية في العالم تحولات هي الأكثر حدة وسرعة منذ أكثر من أربعة عقود في مواجهة الضغوط التضخمية المرتفعة بصفتها العدو الأول للاقتصاد والقوة الشرائية للعملة.
فمنذ الربع الأول من العام الماضي، قامت البنوك المركزية العالمية والإقليمية بالإعلان عن ارتفاعات متتالية وحادة في أسعار الفائدة لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة.

 

فعلى المستوى العالمي، قام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة 8 مرات بواقع 450 نقطة أساس، ومن المتوقع أن يستمر في سياسته خلال العام الحالي على أقل تقدير، وتبع الفيدرالي الأميركي في قراراته العديد من البنوك المركزية في الدول العربية، كالسعودية، والإمارات، والبحرين، وعمان، التي قامت برفع أسعار الفائدة 8 مرات وبنسبة تراوحت ما بين 425-450 نقطة أساس، وهذه الدول تمكنت من المحافظة على الاستقرار النقدي بفضل هذه السياسات. واتجه البنك المركزي الأوروبي نحو رفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ العام 2011؛ حيث قام برفع أسعار الفائدة 5 مرات وبواقع 300 نقطة أساس، معلناً عن المزيد من قرارات الرفع خلال الأشهر المقبلة من العام الحالي لاحتواء التضخم، وللغاية ذاتها، رفع البنك المركزي البريطاني (بنك إنجلترا) أسعار الفائدة 10 مرات وبواقع 375 نقطة أساس.
وبدوره، لم يتوان البنك المركزي الأردني عن اتخاذ ما يلزم من إجراءات تضمن المحافظة على الاستقرار النقدي، وثبات سعر صرف الدينار الأردني، من خلال توظيف أدوات السياسة النقدية بما يضمن تحقيق ذلك الهدف، وفي مقدمتها أداة سعر الفائدة؛ حيث قام برفع أسعار الفائدة 8 مرات منذ الربع الأول من العام 2022 وحتى الوقت الراهن، وبواقع 450 نقطة أساس، وبما يتوافق مع الارتفاعات الملموسة في أسعار الفائدة في الأسواق المالية العالمية والإقليمية خلال الفترة الماضية.

 

  •  ويحمل الاقتصاد تكاليف أكبر على أركان الاستقرار الاقتصادي الكلي على المديين المتوسط والطويل، خاصة إذا ما علمنا أن الارتفاع في أسعار الفائدة هو حركة طبيعية تواكب الدورات الاقتصادية، ولن تبقى في مستويات مرتفعة، فالمعطيات تشير إلى أن أسعار الفائدة ستستمر في منحى تصاعدي خلال العام الحالي، ومن ثم يتوقع أن تستقر عند تلك المستويات المرتفعة في العام 2024، قبل أن تبدأ بعد ذلك بالاتجاه نزولاً.
    وعلى الرغم من ذلك، لم يغفل البنك المركزي الأردني عن الآثار السلبية لرفع سعر الفائدة على النشاط الاقتصادي في المدى القصير، إذ نجح في إيجاد معادلة تضمن الموازنة بين متطلبات تحقيق الاستقرار النقدي، من جهة، وبين دعم النمو الاقتصادي من جهة أخرى؛ إذ عمل البنك على تثبيت أسعار الفائدة ضمن برنامجيه للتمويل الميسر، سواء ضمن برنامج تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة الذي تبلغ قيمته 700 مليون دينار، والذي استحدثه البنك خلال جائحة كورونا، حيث بقيت أسعار الفائدة ضمنه لا تتجاوز في حدها الأعلى 2 %، أو برنامج إعادة تمويل القطاعات الاقتصادية الحيوية البالغة قيمته 1.4 مليار دينار، حيث يبلغ سعر الفائدة ضمنه 1.0 % للمشاريع المستفيدة داخل محافظة العاصمة، و0.5 % للمشاريع المستفيدة في باقي المحافظات.