آفاق النمو الاقتصادي العالمي والاقليمي على وقع التحديات والمخاطر الاقتصادية والمالية والمصرفية
زياد رفاتي
واجه العالم في السنوات الأخيرة وخصوصا في بداية العام 2020 وما لحقها تحديات ومخاطر وأزمات وتوترات حيوسياسية بدءا من جائحة كورونا مرورا بالحرب في أوكرانيا والتضخم في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتوقعات الدخول في ركود في أميركا يمتد أثاره الى اقتصادات معظم دول العالم وأزمة المصارف الأميركية وكريدي سويس .
وكان لذلك وقع سلبي على معدلات النمو العالمي والاقليمي ومنطقة الخليج العربي وشمال افريقيا المتحققة فعليا أو المتوقع تسجيلها في العامين الحالي والمقبل والتي يعاد تقديرها بين فترة وأخرى تبعا للمستجدات والأحداث والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الدولية .
ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العالمي بأقل من 3% في العام 2023 ، وأن الصين والهند ستساهمان بنسبة 50% من نمو الاقتصاد العالمي لذلك العام أي نصف النمو ، ويعزز توقعاته للنمو الاقتصادي في أسيا بدعم من تعافي الصين وقيام البنوك والمؤسسات الكبرى برفع توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني خلال العام 2023 .
و خفض البنك الدولي توقعاته للنمو في دول الشرق الأوسط وشمال اقريقيا الى 3% من 3،5% للعام 2023 ومقابل 5،3 % للعام 2022 بدعم من قوة الطلب الداخلي ، وخفض توقعاته للنمو في دول الخليج الى 3،2% من 3،7% للعام 2023 أما معهد التمويل الدولي فقد خفضه الى 2،2% مشيرا الى أن الايرادات والقطاعات الاقتصادية غير النفطية ستحافظ على أدائها القوي والاستمرار في ترشيد الانفاق وهو ما يحد من تأثير تراجع انتاج وأسعار النفط على نمو دول منطقة الخليج وتحقيق التوازن في موازناتها ال
مالية .
ومن ناحية الاقتصاد السعودي ، فان التقديرات السعودية تشير الى أن التضخم في في العام 2023 سيتراجع في السعودية بفضل خطواتها الاستباقية ، وقد أعلنت بتاريخ 1/5/2023 تخصيص مبلغ تريليون دولار دعما لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030 وأن تلك الرؤية شكلت نقطة تحول بطريقة التفكير حول الاقتصاد السعودي وأن أهمية الرؤية تكمن باطارها الزمني طويل الأمد وأن برنامج التحول الوطني السعودي حرص على تعزيز مشاركة المرأة ، وقد نما اقراض المصارف السعودية للقطاع الخاص بنسبة 11،8% ليصل حجم الائتمان القائم الى 2،4 تريليون ريال ( نحو 700 مليار دولار ) كما في نهاية الربع الأول 2023 .
والاعلان السعودي أيضا عن البدء بانشاء أربع مناطق اقتصادية جديدة ستتمتع بمعدلات ضرائب تنافسية وملكية أجنبية كاملة
وقد بين صندوق النقد الدولي بتاريخ 3/5/2023 أن اقتصاد السعودية يقترب من تقليل الاعتماد على النفط وأن دول الخليج قادت نمو المنطقة بنسبة 7،7% في العام 2022، وأن مستويات النمو تحسنت بالخليج العام الماضي وهي أعلى بكثير من المعدل العالمي وأن القطاع غير النفطي فيها مستمر بمعدلات نمو جيدة نبلغ 4،5% وأن تراجع انتاج النفط سيؤثر على القطاع النفطي في دول الخليج وتراجع القطاع سيؤثر على نمو دول الخليج وبالمقابل الأسعار سترتفع ، ووجوب تطوير الأسواق المالية بالمنطقة لتوسيع رقعة الاستثمار والتمويل ، وأن الأوضاع المالية العالمية شهدت تشديدا حادا في اذار 2023 مع اتساع فارق أسعار الائتمان وتراجع أسعار الأسهم المتداولة .
أما التضخم الكلي والأساسي ، فلا يزال منخفضا نسبيا في مجموعة من الدول المصدرة للنفط كالسعودية والكويت وقطر وفقا لصندوق النقد الدولي .
وأعلنت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن السعودية تتمتع بحماية مالية من خلال الودائع وأصول القطاع العام ، ورفعت التصنيف الائتماني للمملكة الى A+ مع نظرة مستقبلية مستقرة ، كما خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري الى 4% بالعامين 2023 و2024.
أما الاقتصاد الكوري الجنوبي فان التوقعات بنموه بنسبة 1،4% والاقتصاد الياباني بنسبة 1،4 % في العام 2023 وأبقى المركزي الياباني على معدلات الفائدة دون تغيير في النطاق السالب -0،1% ( سالب واحد بالعشرة بالمائة ) ، .وقد دخل اقتصاد تايوان في ركود بعد تسجيل أسوأ انكماش فصلي منذ ا
لعام 2009
أما الاقتصاد الأميركي فقد نما بنسبة 1،1% في الربع الأول 2023 والأرقام أقل من التوقعات ، واقتصاد منطقة اليورو ينمو بوتيرة ضعيفة بنسبة 0،1% ومخاوف الركود في ألمانيا الذي تتجنبه حتى اللحظة بنمو صفري ودون التوقعات وتستمر بالسيطرة على التوقعات المستقبلية مع انكماش مبيعات التجزئة للشهر العاشر على التوالي واعلان ألمانيا بتاريخ 6/5/2023 أنها تدرس تثبيت تعرفة حوالي 80% من كهرباء القطاع الصناعي حتى عام 2030 للصناعات الأكثر استهلاكا للطاقة والعاملة على المستوى الدولي للحفاظ على القدرة التنافسية وهي قطاعات مهددة بالانتقال الى الخارج بسبب ارتفاع أسعار الطاقة في ألمانيا ، كما أقرت الحكومة الألمانية بتاريخ 23/4/2023 دعما لموظفي القطاع العام البالغ عددهم 2،5 مليون موظف بمجموع 3000 يورو لكل موظف تدفع بأقساط على ستة أشهر حتى شهر شباط 2024 للتخفيف من اثار التضخم ، ونمو اقتصاد فرنسا بشكل طفيف وبمقدار 0،2% خلال الربع الأول من العام الحالي متماشيا مع التوقعات وتخفيض تصنيفها الائتماني بدرجة واحدة من AA+ الى AA بسبب الاضطرابات الاجتماعية التي تسود البلاد حول اصلاح نظام التقاعد وعجز الموازنة وارتفاع حجم الاقتراض الحكومي.
أما التضخم في الولايات المتحدة ، فقد تراجع التضخم الأساسي في شهر نيسان الذي يستثني تغيرات أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة الى 4،7% وأصبح يقل عن سعر الفائدة بعد الرفع الأخير من الفيدرالي الأميركي بمقدار 25 نقطة أساس وهو الرفع العاشر خلال 13 شهرا ليصل الى 5،25% مع انخفاض معدل البطالة الى 3،4% حيث أضاف الاقتصاد الأميركي 253 ألف وظيفة في نيسان ليفوق التوقعات عند 180 ألف وظيفة ، واعلان الفيدرالي عقب الرفع باحتمال حدوث ركود على الأرجح ولكن قد يكون طفيفا بينما تقلل وزارة الخزانة الأميركية من أهمية مخاوف الركود وتؤكد استمرار نمو الاقتصاد الأميركي ، والرفع السابع في منطقة اليورو من المركزي الأوروبي بتفس المقدار السابق ليصل الى 3،25% وهي الأعلى منذ عام 2008 ، حيث تباطأ معدل التضخم في المنطقة خلال شهر نيسان بشكل طفيف الى 5،6 % لاستمرار نمو الوظائف وانخفاض معدل البطالة فيها الى 6،5% وتراجع مبيعات التجزئة لشهر نيسان بنسبة 3،8% لتأتي دون التوقعات ومخاطر ارتفاع التضخم ما زالت قائمة وقد تستمر لفترة من الوقت وفق تصريحات المسؤولين في المركزي الأوروبي ويبعد معدل التضخم الرئيسي عن نسبة التضخم المستهدفة البالغة 2% وأن سياسته ستعتمد على مسار التضخم في الفترة المقبلة ، أما صندوق النقد الدولي فيقدر الوصول الى النسبة المستهدفة حتى العام 2025 أي بعد سنتين ، وتصريح كبير الاقتصاديين في بنك انجلترا بتاريخ 26/4/2023 أن على البريطانيين القبول بتراجع قدراتهم الشرائية في مواجهة تكاليف المعيشة التاريخية ، وقد استمرت أسعار المواد الغذائية في الارتفاع خلال شهر نيسان 2023 حيث ارتفع التضخم الغذائي الى 15،7% في ذلك الشهر مع توقعات اتحاد التجزئة البريطاني بتراجع معدلات التضخم في الأشهر المقبلة .
ويتوقع البنك المركزي الأوروبي أن يستمر التضخم في منطقة اليورو بالانخفاض ، ومع ذلك فان هذه التوقعات لا تزال محاطة بقدر كبير من عدم اليقين حسب البنك .
وفي المقابل تتفاقم المخاوف بشأن ارتفاع سقف الدين الأميركي الى حده الأعلى حيث يصل رصيده القائم في نهاية العام 2022 حوالي 30،93 تريليون دولار استخدمت في تمويل عجز الموازنة الأميركية والتزامات الحكومة الفيدرالية بسبب التوسع في الاقتراض تتيجة التوسع في الاقتصاد وطباعة الدولارات من الفيدرالي الأميركي واقراضها للحكومة الفيدرالية بتسجيلها ديونا عليها ويشكل 99% من السقف المحدد البالغ 31،41 تريليون دولار و121% من الناتج المحلي الأجمالي الأميركي ويتجاوز رصيد الدين مجموع الناتج الاقتصادي لدول الصين واليابان وألمانيا وبريطانيا مجتمعة ، ورفع السقف يتطلب موافقة الكونغرس الأميركي علما أنه في الخمسة وعشرين سنة الماضية ( 1997- 2022) وما مر بها من أزمات ومنها الأزمة المالية العالمية في العام 2008 وجائحة كورونا تم رفعه 22 مرة بعد أن كان السقف قبل ذلك في حدود 6 تريليون دولار .
علما بأن الولايات المتحدة تعتبر الدولة الوحيدة في العالم التي أعطت لنفسها الحق بطباعة الدولارات ودون غطاء مقابل من الذهب ولم تعطه لدول العالم الأخرى .
كما أن الدول الأخرى يتعذر عليها طباعة أوراقا نقدية من عملاتها المحلية من باب حل مشاكلها الاقتصادية ودفع التزاماتها حيث لذلك الاجراء محاذير زيادة المعروض النقدي من العملة المحلية وما يسببه من ارتفاع معدلات التضخم بمستويات عالية جدا تؤثر سلبا على ارتفاع أسعار السلع والمنتجات بشكل هائل وانخفاض القيمة الحقيقية للنقود، وتحذير وزارة الخزانة الأميركية بالتخلف عن سداد الديون والالتزامات اعتبارا من الأول من حزيران المقبل سيكون لها انعكاسات عالمية شديدة .
.
خبير مالي