رعد بن زيد امير انسان وانسان امير عرفته عن كثب منذ أربعين سنة ونيف، عندما كنت شابا يافعا وانا ضابط بالأمن العام برتبة صغيرة، وكنت ولا زلت كما كنت والحمد لله اتدفق حيوية ونشاطا وطاقة وامالا لم يتغير على شيء بفضل الله رغم الزمن وحوادث الدهر. وقد اثار مقال الأخ الأستاذ سمير الحيارى والاخت دعاء الطويسي عن سموه بعضا من الشجون في نفسي، ورأيت ان ادلو بدلوي بعيدا عن السياسة.
عرفت الأمير رعد بتواضعه الذي تسمو به الألقاب والرتب أكبر مما يسمو بها، ليصل الى سويداء القلوب وشغافها، وعرفته هادئ الطبع حتى في اعلى سورات غضبي ورفع صوتي وتقطب جبيني عندما اصير شخصا اخر تهابه الرجال وذوات الحجال، وكان ولا زال يتحملني ويتحمل كلامي القاسي جدا، الذي هو لمصلحة الأردن ومصلحة الأردنيين، مما يزيدني حبا له.
عرفته بدون واسطة حيث ذهبت ذات صباح (قبل أكثر من اربعين عاما) الى بيته الذي كان في ام اذينة وكان الناس ينتظرون على بابه كل صباح، فيتحدث إليهم جميعا ويستمع حاجاتهم، اما انا فدخلت حينها الى غرفة الحرس حيث التقيت سموه وعرفته على نفسي بكل شجاعة، كما سبق وتعرفت على المغفور له الشهيد وصفي التل مباشرة وبدون واسطة أيضا.
فانا حريص دائما ان اتعرف على الذوات مباشرة وبدون واسطة، فان قررت التواصل والعلاقة كرهت ان يكون بيننا واسطة او طرف ثالث اطلاقا، لان التعرف المباشر أدق في التقويم، وان الطرف الثالث ربما يخرب العلاقة بيننا.
وعلى طول علاقاتنا المديدة، وفي قمة غضبي كان سموه يمد يده على كتفي بحنان الاب ورقي الأمير الحقيقي، ويقول (يا احمد انت منا وانت ابننا ونحن نتحملك لأنك وطني صادق لا تنافق ولا تكذب) فاشعر حينها بالخجل وأقدر له هذه الكلمات واقبله على جبينه لأنه يعرف ان الأردني ابن العشيرة وانا أردني ابن عشيرة عريقة لا يأتي بالعنف ولا بالإهانة ولا بالاعتقال ولا بالتهميش ولا بإغلاق الابواب امامه، وانما يأتي بالأدب والحياء واللطف والتسامح.
وسموه يعرف انني رجل يمكن التعامل معي بالأدب والتواضع، اما بالقوة والعنف والفوقية فدون ذلك دمي ورقبتي، فهو يعرف انني استحي لكنني جسور، ولا أخاف الا من الله، وان ما يمنعني من الكلام القاسي هو الادب الذي يتعامل به معي من هو امامي اما من قل حياؤه معنا فنحن نعرف كيف نتعامل معه ونبطش به.
الأمير رعد اوصلني الى مؤسسة الديوان الملكي قبل أربعين عاما، وتوطدت علاقاتي بعدد من الأمراء والاشراف وعدد من موظفي الديوان السابقين على درجاتهم لسنوات طويلة وكانت حميمة وكنت ادخل الديوان الملكي بدون مواعيد ولا اذن وطلباتي كانت ملباة.
وكنا عندما نذهب للمعايدة أعرج على الغرف الخلفية حيث شباب الاشراف لأصافحهم بعد مصافحة الملك وكنت اشعر بالامتعاض إذا تعذر سلامي عليهم لأسباب خارجة عن ارادتنا جميعا، وكان ضباط الحرس الخاص يعرفون هذه العلاقة المميزة وبقي الامر على هذا الحال حتى نهاية القرن العشرين.
كنت ولا زلت حريصا على التواصل مع سمو الأمير رعد بن زيد اطال الله في عمره، كصديق حتى صارت صداقتي معه جزءا من علاقاتي الذاتية، ولم يترك مناسبة تخصني من أفراح أو اتراح الا شاركني فيها لأنه امير بتواضعه، سامي في اخلاقه يعرف مقامات الناس وقاماتهم فهو كبير يعرف الكبار ويعطف على الصغار، ويتمتع بذاكرة يحسده عليها من غشيهم الهم وطمست الدنيا على أموالهم وابصارهم وبصائرهم وشدت على قلوبهم واسماعهم
وعندما كان اولادي البشر ونمي يحفظهم الله في اعمار السابعة والثامنة وما بعدها كنت احرص ان يذهبوا لمعايدة سموه في بيته الذي كان في ام اذينة وكان سموه يحرص بكل تواضع ان يقدم لهم الضيافة، وعندما يمتنعون احتراما له يقول خذوا مني انا عمكم وبقيت هذه الصورة الطيبة في اذهانهم وذهني ولا زالت وستبقى ما دمنا احياء
وعندما غادر اولادي البشر ونمي بيمن الله ورعايته ارض الوطن للدراسة في أوروبا على حسابي الخاص عام 2000 م، بقي ولا زال دائم السؤال عنهما ويرسل اليهما تحياته. وعندما تم السماح لأولادي بدخول الأردن بعد سنوات عجاف من المنع بسبب مواقفي حيث لا علاقة لهم بالأمر لا من قريب ولا من بعيد، لا من قبل ولا من بعد، وانما في محاولات فاشلة لتغيير مواقفي، كانوا حريصين للسلام على سموه لكنه كان خارج البلاد.
حرص الأمير رعد على ان يعرفني على اميرين من الامراء الشباب في عام 1989 قبل الانتخابات النيابية في حينه، ومنهم نجله وبكره سمو الأمير زيد بن رعد الذي كان يدرس الدكتوراه في جامعة كامبريدج والذي قال انه قرا رسالتي الدكتوراه في الجامعة، فقد حصل سموه على الدكتوراه من نفس جامعتي وهي كامبريدج البريطانية والتي افتخر انني حصلت على الدكتوراه منها عام 1982.
الحديث عن سمو الأمير رعد يطول جدا ومناقبه السامية سامية حقا وأولاده زيد ومرعد وفراس الذين اعرفهم شخصيا شباب متواضعون كابيهم، وما ذهبت عند أحد منهم بموعد، وما اغلق أي منهم بابه امامي، فالأمير وأولاده الكرام يعرفون طبعي انني لا اطيل الجلوس عند الزيارة (الزيارة غارة) الا إذا كانت بموجب موعد مسبق، والا فسلام ووداع على الواقف لدقائق قصيرة فهذا طبعي، ولم تتح لي فرصة التعرف على ولده سمو الامير فيصل وابنته سمو الاميرة فخر النساء ونأمل ان تتم بعون الله.
عندما تمت احالتي على التقاعد من الامن العام يوم الجمعة 20/3عام 1987 وتم منعي من العمل والسفر لأسباب امنية وسياسية كواحد من قيادات الحركة الوطنية الأردنية، حصلت بعد تواصل خاص مع الاشراف الحوارث (الحارثي) بمكة المكرمة عام 1989 على قبول للتدريس في جامعة ام القرى وعرجت عند سمو الأمير رعد فقلت له ان يستأذن لي من المغفور له الملك الراحل للسفر وان يرفعوا عني منع السفر.
ولكن الأمير عاد الي بخبر اخر لم يكن يوما في حساباتي، وهو المغفور له الملك الراحل قال له: ان د احمد عودي العبادي وقع عليه ظلم ونريده ان يترشح للانتخابات النيابية ولن يقف أي طرف رسمي ضده. وترشحت ونجحت عام 1989، والحمد لله. فالمعروف انني كنت ولا زلت اتمتع بشعبية عالية جدا في قبيلتي ودائرتي الانتخابية والحمد لله وهو امر معروف لجميع الجهات في الداخل والخارج.
ولا زلت اذكر تماما عندما نزل الأمير رعد من شرفة قبة البرلمان بعد خطابي المشهور بالثقة بالحكومة عام 1989 عندما قال غاضبا: خربتها يا احمد ولم اجده في حياتي غاضبا مثلما رايته تلك اللحظة فقلت له سمو الأمير سترون مستقبلا انني على حق، وكذلك كان.
ومع هذا بقيت علاقتنا متواصلة وكان المغفور له الملك الراحل كلما أراد مني موقفا او غض الطرف عن امر يستدعي سمو الأمير رعد ويقول له فكنا من صاحبك العويدي في الموضوع الفلاني، لان السادة الاشراف كانوا يخاطبونني باسم العويدي لأسباب يعرفونها، وبذلك كنت اعرف كثيرا من الأمور والاسرار القادمة قبل أي نائب او حتى قبل رئيس مجلس النواب من خلال الطلب الي بموقف معين في الموضوع الفلاني وغيره ؟؟؟ ،
وكنت تارة التزم على مضض وتارة اتمرد، وكانوا يقبلون تمردي على مضض أيضا، لأنهم كانوا كبارا ويعرفون وطنيتي وصدقي، وانني رجل عصي ابي، لكنهم يعرفون انني لا اتجاوب الا بالأدب والملاطفة، وكانوا يتجاوزون تمردي ونبدأ من نقطة الصفر مرة أخرى.
وقد قال لي أحد افراد الاسرة ذات مرة: نحن لا نحترم شخصا بمقدار احترامنا لك، ولا نكره اردنيا بمقدار كرهنا لك، فضحكت وقلت اعرف لماذا تكرهونني ولكن لماذا تحترمونني، فقال نحترمك لأنك صاحب فكر وموقف، وانت رجل شجاع وصادق وامين ولست عميلا لاحد في الداخل ولا في الخارج، وما قلت شيئا الا وجدناه صحيحا.
فقلت انني اتعامل مع الجميع ولست عميلا لاحد، وأنتم تحتاجون لعناصر كرهكم لي كما تحتاجون لعناصر احترامكم لي ولا انصحكم ان تفرطوا بي وعلينا ان نتحمل بعضنا، وليس ان اتحملكم ولا تتحملونني وانما احترام متبادل واعتراف متبادل والا فلا داعي للصحبة من الأساس، وما حدا أحسن من حاد، فضحك وقال: صدقت ومعك حق، ولكن لكل زمان دولة ورجال.
الجميل في الامر انني ادون يومياتي كل يوم في حينه فمن تعامل معي او التقاني وضاع تاريخه ونسي ما جرى، فانه سيجده مدونا عندي بأمانة وادب، وما دام الشيء بالشيء يذكر فان يومياتي لعام 2016 بلغت ألف صفحة مطبوعة، فيومياتي جزء من تاريخ الأردن ستحتاجه الأجيال القادمة
الأمير رعد له محبة خاصة في قلبي وقلوب اولادي واسرتي ورغم السنين العجاف التي مرت بي ظلما وزورا وبهتانا وعدوانا الا انني بقيت وفيا له ولأولاده لأنهم متواضعون يحبون الناس ويحبهم الناس.
اما وقد تفرقت بنا السبل، فقد كان اخر لقاء لي بسموه قبل أيام سألني كيف البشر ونمي، ثم استدرك قائلا عفوا يا دكتور: كيف الدكتور بشر والدكتور نمي فقلت يا سمو الأمير يهدونك السلام الأول في النمسا والثاني في المانيا واخوهم سمو الأمير زيد في واشنطن.
فقال إذا جاءوا للأردن خليني اشوفهم واعرفهم على فراس ومرعد، لتبقى الصلة بين الأجيال، فقلت بكل حب وكرامة يا سمو الأمير، ارجو الا تكون مسافرا حينها. ثم مزحت مع سموه مزحة ثقيلة لا يجرؤ أحد ان يمازحه بها، فتحملني وسألني السؤال نفسه والمزحة نفسها فأجاب كل منا بصدق، وضحكنا من اعماقنا.
ثم سال وكيف اولادك مع السياسة: فقلت يكرهون السياسة ويبتعدون عن الخوض فيها، ولا يتدخلون بها اطلاقا ويكرسون وقتهم للعلم والعمل بعيدا عنها لأنها وجع راس ويكفينا ما جاءني منها ولا اريدها لأولادي وهم لا يريدونها.
ما رويته من علاقاتي وحكاياتي مع سمو الأمير رعد ليس الا كلمة في كتاب من المدون عندي بالوقائع والتواريخ والساعات وما دار في كل لقاء، فانا تربطني به وبعدد من أصحاب السمو الامراء وعدد من السادة الاشراف، وبالمغفور لهما الأمير زيد والشريف عبد الحميد شرف علاقة حميمة لأسباب خاصة تعود الى الجذور.
واسال الله سبحانه ان يحفظ الأردن وأهله، وان يطيل بعمر سمو الأمير رعد ويحفظه. فهو الانسان الأمير تسمو به الامارة، والأمير الانسان تزهو به الإنسانية، وهذه نبذة اقل من قليلة لكنها تكبر بسموه وانجاله الكرام.
ومعذرة للإطالة