الواقع العربي أكبر برنامج كاميرا خفية
الواقع العربي أكبر برنامج كاميرا خفية في العالم: ردح وشتائم والأستاذ دائماً أمريكي
مالك العثامنة*
- سيظل التلفزيون دوما أحد أهم الاختراعات في التاريخ الانساني، ومثله مثل أي اختراع آخر، هو رهين طريقة استخدامه، مثل الديناميت، الذي يمكن أن تتم زراعته في حافلة عمومية لتقتل الأبرياء أو في شق صخري لبناء وتعبيد طريق داخل الجبل.
أهم ما في التلفزيون أن شاشته «الكبيرة في غرفة الجلوس أو الصغيرة في راحة اليد» هي نافذة على العالم بكل ما فيه، ومن تلك النافذة نراقب ونتأمل ونتعلم ونشاهد ونراقب ونعرف.
وأخطر ما في هذا الاختراع، هو الإعلام الذي يقدمه، وتلك مدارس ومذاهب وطرق ومنهجيات متعددة، اختلف فيها البشر وعليها، ونشأ منها خبراء في السلوك الإنساني، وعلماء في توجيه الرأي العام بل وأحيانا تشكيله.
من الصناعات التي قامت على صندوق العجائب هذا، صناعة مليارية بأرباحها اسمها صناعة «الترفيه»، وهي صارت تتغول على كل المحتوى وتزحف على كل ما تبثه النافذة المضيئة بالصور والضاجة بالصوت، لتصبح صناعة الأخبار مثلا – وعلى جديتها- جزءا من صناعة الترفيه مثلا، ويصبح المحتوى الإخباري في عالم الفضاء العربي تحديدا حالة ترفيه غير مسبوقة في الردح المتبادل وعلى كل المستويات.
برامج تعكس نفوس شعوبها
في عالم تلك الشاشة الصغيرة بكل أحجامها، كانت صناعة الترفيه دوما تعكس نفسيات الشعوب والأمم، مثال ذلك برامج المقالب والكاميرا الخفية، التي تفاوتت محتوياتها وأفكارها من شعب لآخر، وكان إنتاجها في كثير من الأحيان ضخما أو محدودا، لكن الفكرة التي تقف وراءها هي سبب نجاحها من عدمه.
في عالمنا العربي وعلى فضائه المتعدد، كانت الكاميرا الخفية ذات بدايات جيدة على محدودية الإنتاج وأول من قدمها عام 1983 الفنان الراحل فؤاد المهندس، لننتهي ببرامج مقالب تعتمد إخفاء الكاميرا لتسجيل لحظة المفارقة، ونصل إلى سماجة غير مسبوقة في سلسلة رامز جلال، أو بنجاح نسبي لافت في برنامج «الصدمة» والمنسوخ كاملا عن برنامج أمريكي شهير. وفي الأصل فإن معظم صناعة الترفيه كانت دوما أمريكية، وفكرة الكاميرا الخفية والمقالب التي تعرضها كانت فكرة الأمريكي آلان فونت في أربعينات القرن الماضي.
يلفتني مثلا، برنامج من إنتاج كندي، اسمه GAGS FOR LAUGH يكشف الكثير عن هذا التسامح الرائع وخفة الدم والابتكار لدى شعب لا نعرف عنه الكثير إلا أنه جار شمالي لأمريكا مشهور ببرودة طقسه وجوارب رئيس وزرائه الشاب والوسيم.
في روسيا انتشر مقطع شهير أيضا لكاميرا خفية انتهت بحادث قتل بعد أن فقد روسي أعصابه وأطلق النار على الرجل المختبىء في صندوق بريد، وفي بلجيكا ما زلت أحاول جاهدا فهم روح النكتة في كثير من مقالب الكاميرا الخفية التي ينتجها البلجيك لفرط جديتهم، تماما مثل الألمان الذين طبعت صرامتهم تلك البرامج بقوالب درامية أكثر من ترفيه كوميدي مطلوب في تلك البرامج.
لكن، على فضائنا العربي هناك كاميرا خفية إنتاجها أضخم ما يمكن تصوره، تكاليفه عالية مدفوعة بالدم والموت، تجدها في تقارير نشرات الأخبار المنقولة من ساحات الموت والدمار، نشاهدها لفرط «تمسحتنا» كأنها ترفيه، ونتداولها في مواقع التواصل الاجتماعي لحصد أكبر عدد ممكن من «اللايكات»، ونذوب في المأساة حد أن المسافة الفاصلة بين المتلقي والمحتوى نفسها تذوب أيضا، فكل مشاهد مرشح شرعي ليكون محتوى قادم لتلك الكاميرا الخفية الكبيرة.
هذا فضاء عربي تدنى إلى أدنى ما يمكن في كثير من حالاته إلى حد ملامسته كثبان الرمل المتحرك، ليغرق فيه ونغرق معه.
مصطلح المستقبل: الخلاف العربي – العربي!
وعلى هامش ثقافة التيه، التي يعيشها فضاؤنا العربي، تسنى لي – بحكم أني ناشط في مكافحة السرطان – أن أتواصل مع محطات تلفزيونية أوروبية (بينها ناطقة بالعربية لكن بعقل أوروبي)، لغاية مناقشة تغطية حدث قد لا يهم عالمنا العربي بالمرة، وقد يكون في أحسن الأحوال في طرف ذيل نشرة الأخبار قبل خاتمتها كخبر طريف! والحدث مفاده أن مؤسسة «آينا موتنسنتس» الخيرية لمكافحة السرطان، تنظم نهاية هذا الشهر فعالية رياضية لتسلق قمة جبل «مونت بلانك» الفرنسي في جبال الألب، وسيقوم بالتسلق عدد من مرضى السرطان بينهم من تعافى من المرض ومنهم لا يزال يقاتل السرطان بقوة إرادة الحياة.
أدهشني هذا الحماس في محطات تلفزيونية أوروبية اعتبرت الحدث احتفالا خبريا وخاب ظني من قنوات في عالمنا العربي قابلوا الدعوة للتغطية ببرود شديد يعكس رؤيتنا للحياة، علما أن العالم العربي يعاني كباقي الكوكب من انتشار هذا المرض الفتاك.
وكم كانت سعادتي بالغة حين علمت أن بطلا عربيا وهو سعيد المعمري كان قد تسلق قمما عالمية قد أعلن تطوعه المطلق لمشاركة مرضى السرطان في مغامرة التحدي من أجل الحياة.
أحد المنظمين الأوروبيين المعنيين، أخبرني أنه حاول التواصل مع فضائيات عربية واستغرب أن الإجابة من أحد المعدين كانت بأنه لو يتم تأجيل الحدث قليلا!! فالمنطقة على صفيح ساخن!! وأولويات الأخبار مرهونة لأجندات الخلاف العربي – العربي حاليا.
.................
* مالك العثامنة؛ إعلامي أردني يقيم في بروكسل