أيمن زيدان: الحرب سببت لنا صدمة -
كتبت بثينة البلخي:
وسط جمهور "اغتال الإحباط" واسترد "جزءا من خفقان القلب الواهن" على حد تعبير أيمن زيدان، استضافت مؤسسة عبد الحميد شومان ليلة الاثنين الفنان السوري الذي احتشد للقائه المئات من الأردنيين بمحبة عبرت عنها الكراسي الممتلئة إلى حد جعل بعض الشبان يفترشون أرض قاعة المنتدى في المؤسسة الثقافية التي يزيد عمرها عن أربعين عاماً.
أيمن زيدان الذي بدا واضحا كيف نالت الحرب في سوريا من شباب ملامحه، ووشمت عينيه بالحزن، لم يتوان عن رسم الضحكات على وجوه الحاضرين لندوته التي حملت عنوان (أمسية رجل شجاع) متحصنا بروحه المرحة ونكاته اللطيفة طوال مدة الندوة، فكان أن جعل السلاسة والعفوية سمة اللقاء رغم أناقة حضوره الرزين.
كما هم الكبار دائما، لم يتردد زيدان في التحدث عن بداياته المتواضعة، والفقر الذي صقل أحلامه في قريته السورية البسيطة "الرحيبة"، وأسهب في تفاصيل تلك الأيام التي يحن إليها، لا سيما بعد أن ألقت الحرب بعباءتها اللئيمة على قلبه فأثخنته بالألم على الوطن الذي يساوي بالنسبة له" ٦٣ عاما _عمره_من الذكريات، وهو العشق الأول، والأحلام التي ناضلنا لتحقيقها".
بالحديث عن تجربته الاحترافية مع الدراما، والتي برزت لدى تسلمه إدارة شركة الشام الدولية للإنتاج الفني، انتشى الفنان السوري بسحر تجربته تلك الأيام حين "وجدت طموحاته الكبيرة فرصتها لتصبح واقعا"، وقدم العديد من الأعمال الدرامية التي لاقت قبولا كبيرا لدى الجمهور العربي، كان أولها مسلسل نهاية رجل شجاع، الذي ترك أثره الكبير في الجمهور العربي، وجسد "دراما طموحة، ومشروعا مفصليا غيّر نمطية الإنتاج التلفزيوني" وجعل "الخوف داخل القائمين على إنجازه يكبر نتيجة الخشية ألا تعود الفرصة من جديد لإنتاج منجز كما نشتهي".
الشجون والأسى الذي حاول زيدان إخفاءه مرارا بما أطلقه من نكات كانت في حقيقها تهكما وسخرية مما آل إليه الوضع اليوم، عاد يتشرب حديثه، وهو يصف "أشرس الحروب التي سببت للسوريين أشبه بالصدمة، فلم يتوقع أحدهم ما وصلوا إليه"، وكواحدة من تبعاتها تعرضت الدراما السورية لقرار سياسي يقضي بتقليص تسويقها لتتحول إلى منتج محلي فقير، وهنا لم يجد أيمن زيدان المشروع الذي يلبي طموحاته، فاتجه نحو فنون أخرى، ليقدم خلال فترة الحرب على سوريا ثلاثة أفلام سينمائية، ويخرج فيلمين آخرين، فضلاً عن خمس مسرحيات، وثلاث مجموعات قصصية.
وفي هذا الإطار لفت زيدان إلى أن الإنتاج السينمائي خلال سنوات الحرب في سوريا كان ضرورة ملحة لمواجهة "المغالطة الشديدة التي سببها التجييش الإعلامي الرامي إلى القول بأن الدولة السورية انتهت، فصناعة فيلم سينمائي تعني أن الدولة موجودة، لما يحتاجه ذلك من مقومات فنية وإنتاجية كبيرة، كما أن السينما ذاكرة وتأريخ، يقدم من خلالها كل طرف وجهة نظره، ونحن أردنا أن نجعلها ذاكرة تقدم للأجيال القادمة وجهة نظر عما حدث خلال سنوات الحرب".
الفنان أيمن زيدان عاب على صناع الدراما اليوم أنهم غيروا نموذج البطل من الإنسان المؤمن بالقيم والحق والمدافع عنها إلى" الأزعر الصاعد من قاع المجتمع، والرجل المتحرر من المنظومة الأخلاقية"، وهو ما يجعل المنطقة العربية بحاجة الى دراسات تنقذ الثقافة والدراما العربية عموماً والدراما السورية خصوصا من التشوه القيمي الذي أصابها.
وهنا وبحسب تعبيره يأتي دور الفنان في إنقاذ المشهد الثقافي بعد الحرب التي دائما ما تصيب المنظومة الأخلاقية بعطب، بالتالي تكبر المسؤوليات، ويتحتم عليه أن "يبقى نبيلا ولا يتلوث بسموم الحرب، وأن يركن على حواف المستنقع، فيتجنب المشاركة في أي عمل لا يحمل قيمة فنية أو أخلاقية".
على مدى ساعتي الندوة تأرجحت أفكار أيمن زيدان على حبال الأمل والخيبة، فهو تارة ذلك الرجل الموجوع فاقد الأمل حتى من انتظار غودو، والقابع في انكسارات وأوهام الانتصارات التي توهمها جيله المغرق في انتمائه إلى قيمه ومبادئه، وتارة أخرى يتحدث عن الأمل بقادم أجمل، يساعده وجيله على لملمة بقايا أحلامهم التي ما زالوا أوفياء لها.
قلق زيدان من عودته بعد اللقاء بالجمهور الأردني إلى قوقعة الإحباط الذي كان ينتابه، لم يمنعه من الامتنان لمحبة كبيرة ساعدته على "استرداد جزء من خفقان القلب الواهن"، وأناس أثبتوا أن "الأحلام التي نسعى بصدق لها تبقى في الذاكرة".