محاولة اغتيال خالد مشعل نسفت مداولات هدنة بين إسرائيل وحماس بوساطة الملك حسين


أنباء الوطن -

: واصلت قناة إسرائيلية الكشف عن بعض تفاصيل جرائم الاغتيالات الإسرائيلية وكرّست الحلقة الثانية للمحاولة الفاشلة في عمان لاغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عام 1997.

وقبل أسبوع كرست الحلقة الأولى لاغتيال القيادي في الجهاد الإسلامي بهاء أبو عطا وفي الحلقة القادمة سيتم استعادة عملية اغتيال الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) عام 1988.

ويرى معد التحقيق “سجل التصفيات” الصحافي الإسرائيلي ألون بن دافيد أن محاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن كانت حماقة سياسية وعملياتية. وعلى غرار انتقادات مسؤولين إسرائيليين سابقين ألمح بن دافيد لعدم اختيار وكلاء أكفاء خاصة أنهم أصحاب ملامح شرقية ولغتهم الإنكليزية ضعيفة.

سجل التصفيات.. تحقيق تلفزيوني إسرائيلي

انكشاف الكذبة

وكشف السفير الكندي الأسبق في عمان خلال التحقيق الذي بثته القناة الإسرائيلية 13 أنه بعث موفدا من طرفه للتثبت من هوية الشخصين المعتقلين اللذين زعما أنهما من كندا وحملا جوازي سفر لها وتابع: “هناك اكتشف موفدي أنهما كاذبان فقد طلب منهما تسمية النشيد القومي الكندي فلم يعرفا وكذلك كانت لغتهما الإنكليزية هزيلة”.

كما تساءل معد البرنامج ألون بن دافيد عن جدوى عمليات الاغتيال أو بعضها وقال على سبيل المثال إن التاريخ يظهر أن اغتيال أبو جهاد أضر بإسرائيل أيضا خاصة أنه كان قادرا وميالا لبلوغ تسوية مع إسرائيل وقتها عبر قنوات أمريكية.

 رحلة ملكية

ويقول داني ياتوم في التحقيق التلفزيوني إن علاقات متينة جدا ربطته بالعاهل الأردني الراحل الملك حسين، لافتا إلى أنه دأب على مخاطبته بـ”جلالة الملك” وهو دعاه بالمقابل “حضرة الجنرال”.

وللتدليل على ذلك قال إنه رافق أسرته في زيارة استجمام لإيلات في يوليو/ تموز 1997 وهناك طلب زيارة البتراء وعندئذ قرر الملك حسين أن تكون الزيارة ملكية فأرسل طائرته المروحية الخاصة وأخذته وعائلته للعقبة والبتراء ثم استضافه في مأدبة عشاء ملكية. ويتابع: “قبيل انتهاء الزيارة وصلتني برقية عن عملية كبيرة نفذها انتحاري فلسطيني في سوق ماحنيه يهودا في القدس وتسببت بقتل وجرح إسرائيليين كثر فعدت مسرعا وشاركت في اجتماع عاجل وطلب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مني أن أعد انتقاما سريعا من حماس”.

الرغبة بالانتقام السريع

ياتوم الذي اضطر لتقديم استقالته من رئاسة الموساد بعد العملية الفاشلة أوضح أن عمليات حماس المتتالية في المدن الإسرائيلية دفعت نتنياهو لحالة ضغط، فألّح في الاجتماعات وضرب بيده على الطاولة مبديا تصميمه كي نحدد أهدافا خاصة بحماس للانتقام منها والرد عليها وردعها.

ويكشف ياتوم أنه في الاجتماع التالي جاء مع “فكرة لاغتيال أحد قادة حماس من الدرجة المتوسطة في واحدة من الدول البعيدة آلاف الكيلومترات عن الأردن دون الكشف عن هويته وصادق نتنياهو على الخطة ولم يذكر أحد الأردن”.

وقبيل موعد محاولة اغتيال مشعل بـ16 يوما طلب نتنياهو من ياتوم وقف العملية المذكورة وطالب باغتيال خالد مشعل. وعن ذلك يقول ياتوم: “أصبت بالذهول ولو كان لي شعر لنتفته من رأسي إذ كيف ممكن تغيير العملية بسرعة بعدما بدأت ودون استشارتي والقيام بعملية في الأردن”.

تغيير الخطة

“تحدثت مع نتنياهو بلهجة غاضبة وعندها فهمت منه أنه تلقى توصية من وزير الأمن يتسحاق مردخاي ورئيس الشاباك عامي أيلون باستهداف من هم مركزيون في حماس وفي الأردن رغم حساسية الوضع بدلا من تبديد الطاقات على هدف غير معروف”.

وفي التحقيق قال أيالون إنه أوصى بذلك بعدما فهم من ياتوم بأن الموساد موافق وقادر على تنفيذ العملية لكن ياتوم في التحقيق نفى ذلك وقال إنه لم يكن شريكا بتغيير المخطط. ويقول ضابط الاستخبارات في وحدة الاغتيالات “قيساريا” داخل الموساد ميشكاه بن دافيد بأنه أصدر تعليمات لياتوم قبل أسبوعين من المحاولة بضرورة القيام باغتيال مشعل، داعيا لتنفيذ ذلك بطريقة لا تترك أثرا.

وتابع: “لم نكن نعرف عمان لأن الموساد تلقى تعليمات من رئيس الحكومة الراحل إسحق رابين بعدم القيام بأي نشاط في الأردن منذ توقيع اتفاق وادي عربة عام 1994 فكنا بحاجة للتعرف على عمان واستطلاع حركة مشعل كل صباح فتوجهنا للعاصمة وأخذنا نتجول فيها قبل أسبوعين من الحادثة”.

التدرب في تل أبيب

وقال ياتوم إنه قرر القيام بعملية اغتيال بالسم كونها طريقة هادئة لا تترك جثة في الشارع ويمكن وقفها باللحظة الأخيرة لكنها خطيرة، لافتا إلى أن هذا النوع من السم لم يستخدم من قبل في الاغتيالات. وتابع: “تدرب رجالنا على دس السم بشوارع تل أبيب من خلال التظاهر بفتح علبة مشروب”. وعن ذلك قال ميشكاه بن دافيد إن “الموساد رغب بالبداية تنفيذ تدريب على عملية الاغتيال بهذه الطريقة في مدينة الطيرة الفلسطينية داخل أراضي 48 كي يتم استطلاع طريقة رد الرجل العربي حينما يتعرض لسائل بعد فتح علبة كوكاكولا من قبل شخص آخر يمر من جانبه لكن لم يكن وقت وصدرت تعليمات عليا بالتنفيذ”.

قهوة من صنع الملكة

وقال ياتوم إنه أصدر تعليمات صارمة لوحدة الاغتيال بعدم تنفيذ العملية إلا إذا كان مشعل لوحده دون حراسة ودون أن يكون أحد قريب منه كي لا ينكشف أمر العملية.

وكشف في التحقيق بروفيسور عوزي أراد مستشار نتنياهو السياسي وقتها عن وجود اتصالات سرية بين الملك حسين وبين الموساد حول العلاقة بين إسرائيل وبين حماس. ويقول “د” أحد قادة حماس المسؤول الخاص عن العلاقات مع الأردن منذ 1996 إنه قبل خمسة أيام وصل لقصر رغدان والتقى به بناء على طلبه وتابع: “وصلت للقصر قبيل خمسة أيام من الحادثة بطائرة أرسلها الملك وأدخلوني بعدما طردوا كل الخدم والحشم لدرجة أن الملكة بنفسها قدمت لي القهوة، وفي اللقاء حملني الملك رسالة سرية لرئيس الموساد مفادها أن حركة حماس معنية بهدنة لعشر سنوات على الأقل وربما يتم بعدها الاقتراب من اتفاق سلام كما قال الملك. عدت بطائرة الملك في الثانية قبيل الفجر لتل أبيب وسارعت لكتابة تقرير ووضعته في الصباح على طاولة ياتوم وطلبت من مساعده أن يبدأ ياتوم عمله في صباح ذاك اليوم بقراءة هذا التقرير الهام وظننت أن الرسالة وصلت لرئيس الوزراء”.

وكشف “د” أنه خلال لقائه بالملك يوم الأحد كان يعرف أن “خلية للموساد تتجول في عمان لتحديد هدف لكنه لم يكن يعرف الهدف ولا أي تفاصيل أخرى أو أنهم يخططون لعملية اغتيال مشعل يوم الخميس”. لكن ميشكاه ينفي ويقول إن شائعات وصلت له عن ذلك وقتها واليوم لكنه لم يطلع عليها رسميا.

ورطة بكل الأحوال

ويشدد “د” أنه قابل لاحقا رئيس الوحدة التي ينتمي لها في الموساد وحذره من تنفيذ عملية على الأراضي الأردنية لأن نجاحها بقتل قائد في حماس يعني اتهام الملك حسين من قبل حماس مما سيسبب حالة اضطراب خطيرة لإسرائيل في المملكة، وبحال فشلت العملية فإن المشكلة ستكون أكبر وطالب بتبليغ أقواله ومعارضته للعملية لرئيس الموساد معربا عن أسفه أن الرسالة التي جاء بها من الملك لم تبلغ رئيس الوزراء.

وقال ميشكاه في التحقيق إنه تم إطلاع نتنياهو على كافة التفاصيل الدقيقة الخاصة بعملية اغتيال مشعل بما في ذلك الطريق والمرافقون وموقع نزوله من السيارة ومسار الدرج نحو مكتبه وأين يقف عملاء الموساد إلخ.

 عتب شديد

في المقابل يكشف رئيس الموساد الأسبق الذي سبق ياتوم في الوظيفة أفر ايم هليفي أن إسرائيل استدعته على عجل من بلجيكا حيث كان يشغل مهمة دبلوماسية وتم تكليفه بالسفر لعمان ومحاولة امتصاص الأزمة. وعن ذلك يقول هليفي: “التقيت الملك حسين في قصره ووجدته متفاجئا وغاضبا جدا حيث قال لي بلهجة عتب شديد: كيف يمكن أن تفعلوا ذلك معي وبالذات رئيس الموساد صديقي داني ياتوم؟ تدخلون وتخرجون وتفعلون ما تشاؤون في المملكة وكأنه أمر عادي ومفهوم وبعدما وقعنا اتفاق سلام. هذا مرفوض. واقترحت عليه إنقاذ خالد مشعل بمصل طبي كان بحوزة بعض رجال الموساد ممن كانوا قد احتموا بالسفارة الإسرائيلية في عمان إذ كانوا قد احتاطوا عليه خوفا من أن يصاب أحدهم بالسم خلال رش خالد مشعل به وهذا ما حصل”. وعن ذلك يقول ياتوم: “كنت أتمنى أن تنجح العملية ويموت خالد مشعل وبعد فشلها كنت أتمنى شفائه كي نخفف من وطأة الأزمة الكبيرة مع الأردن”.

مكرمة ملكية

كما يكشف هليفي أنه غداة إنقاذ مشعل عاد وقال للملك حسين: “أتمنى أن يكرم علينا الملك بمكرمة ملكية الآن”. ويضيف هليفي: “أصغى الملك حسين لي جيدا وسأل ماذا تعني مكرمة ملكية؟ فقلت: لا أعرف فأنا لست ملكا فابتسم وقال: بمقدورك أن تصطحب رجال الموساد الأربعة المتحصنين داخل السفارة لكن عليك أن تعلم أن الموضوع لن ينتهي هنا، وفعلا عدت للبلاد ومعي عناصر الموساد الأربعة إلى تل أبيب فيما بقي في السجن الأردني وكيلا الموساد اللذان تم اعتقالهما خلال العملية الفاشلة”.

ويكشف هليفي أن نتنياهو طلب منه فور عودته بابتكار فكرة تتيح استعادة الوكيلين المعتقلين وتسوية التوتر مع الأردن. ويتابع: “عدت له بفكرة إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين من المعتقل حيث كان يقضي محكومية بالمؤبد وعندها رفض نتنياهو وقال: هذا غير وارد.. ابحث عن فكرة أخرى فغادرت مكتبه وفي اليوم التالي عاد وهاتفني وأبلغني بموافقته فسارعت للاتصال بالعاهل الأردني وأبلغته بأن هناك عرضا لا يمكنه رفضه، وفي اليوم ذاته طار إلى هناك وزير البنى التحتية أرئيل شارون ونائب وزير الخارجية مجلي وهبي إلى عمان لاستكمال الصفقة”.

شارون جائع للطعام أيضا

ويوضح مجلي وهبي ابن الطائفة المعروفية وربطته علاقات متينة مع الأسرة الهاشمية الحاكمة أن الملك حسين استقبلهما بالترحاب وتابع: “في البداية قال شارون للملك حسين: أريد استعادة وكيلي الموساد معي بالطائرة كي أعاقبهما على فشل العملية إذ أنوي أن أضعهما تحتي كي يئنان تحت وزني الثقيل فكما تلاحظ أنا من الوزن الثقيل.. فضحك الملك للمرة الأولى وضحكنا. ثم سألني شارون على مسمع الأمير حسن هل علي أن أشرب كل هذه القهوة وهذه المشروبات المقدمة لنا وأنا جائع؟ ففهم الأمير حسن الإشارة وسرعان ما بدأوا بترتيب موائد الطعام وما لبث الملك أن دعونا لتناول طعام العشاء وهو يقول: هيا بنا نتناول العشاء ولاحقا سيقوم مجلي والأمير حسن باستكمال الأمور فهما واعيان بما يكفي، وهذا ما حصل وتمت الصفقة لكن الملك حسين قال في تلك الليلة: لن تعود العلاقات مع إسرائيل لسابق عهدها”.

وتوقف التحقيق عند الفشل المدوي وقال إنه ما زال يهز الموساد ويحرجه حتى اليوم كونه فضيحة مجلجلة. وقال بن دافيد إن ياتوم وبخلاف ما قاله كان قد سمع تحفظات وتحذيرات مسبقة من قبل جهات إسرائيلية من العملية لكنه تجاهلها وصادق عليها رغم المحاذير والمخاطر.

المصدر : القدس العربي