حادثة وفاة المهندس الحداد في بئر فندق كمبينسكي البحر الميت


أنباء الوطن -

هبة الحاج إبراهيم

 

بالرغم من مرور عدة أيام على حادثة الشاب الكادح الحداد الذي يبلغ من العمر 27 عامًا، إلا أنه جرى اليوم تحويل ملف القضية للمدعي العام للتحقيق بالحادثة، وإدارة الفندق لم تقم بتقديم واجب العزاء إلا عن طريق إرسال لجان اجتماعية لعائلته للتبرع لهم ولم يكلف أحد نفسه من إدارة الفندق المساهمة والوقوف إلى جانب أهله عند دفنه أو التعزية بوفاته في هذا المصاب الجلل.

 

 

 

يروي عم الشاب المأسوف على شبابه السيد رمضان لـ"أخبار البلد" تفاصيل الحادثة المؤلمة بصوت خافت مبحوح تعتريه غصة الفقد والألم والحسرة على وفاة شاب بعمر الوردة جراء استهتار واضح من قبل الفندق بعدم تقديم السلامة العامة للعاملين فيه خلال تأدية المأسوف على شبابه عمله وإرساله وحيدًا إلى تفقد الآبار دون مرافقة احد من زملائه.

 

 

عم الشاب: استدعوه أول يوم بالعيد الساعة العاشرة صباحًا لعدم حضور زميله المناوب ليتولى مهام المسؤولية بدلاً منه باعتبار أنه لا يجوز ترك هذا المكان بلا مسؤول يتولى شؤونه، بعدها مسؤول الصيانة اللي بعثه على البير فقده لأنه لم يرسل تقريره لمدة 4 ساعات، مع العلم أنه يجب إرسال تقرير كل ساعة فهذا استهتار واضح من قبل المسؤول الذي لم يتابع في مواصلة اتصاله الواجب مع الشهيد الحداد الذي كان يختنق ويغرق دون أن يسمع أي رد فنداء الستغاثة ضل على طريقة سرك ببير حتى بقي يصارع  نقص الأكسجين في رئة تختنق وتضيق بالهواء الذي بدأ ينفذ كابتًا على روحه ورئته وحياته ومستقبله، مقدما نفسه أضحية وكبش فداء في عيد الأضحى المبارك الذي وللأسف بدلاً أن يضحي ويريق الدم احتفالاً وابتهاجًا بالعيد كان نفسه أضحية ولكن في بئر الماء الذي كانت نهايته الحزينة به.

 

 

وبقي الحداد وحيدا أسيرا يكتب ساعاته الأخيرة تحت الماء في رسالة من فوق الماء لعلها تصل ولكنها للأسف بقيت مشفرة منسية لساعات طويلة قبل أن يكتشف المسؤولين في الفندق بأن إنسان قد فُقد ومات ضحية الأهمال وعدم المتابعة والمراقبة، إذ لم يتفقد احدًا من المسؤولين في المكاتب المُكيفة ما يجري مع شهيد معلق يصارع موته بروح الغريق الذي لم تنقذه قشة أو دعوات أو حتى أمل، فالجميع تخلى عنه وحتى الكاميرات المنتشرة كانت غائبة عن توثيق اللقطة وتصوير ما حدث فانتهى الحداد دون أن يشاهده أحد أو يوثق موته احد حتى ولو كانت كاميرا مزروعة أو منسية وكأن روحه قالت علي الرحيل وحيدا بعيدا من هنا إلى باريها وإلى مصورها الكبير في السماء.

 

 

وبقي الحداد تحت الماء لمدة 4 ساعات حتى تحرك ما يقارب 50 شخصًا من فرق الدفاع المدني لإنقاذه، إلا أنها كانت الصدمة بعد إخراجه مفارقًا الحياة دون أن يودع ويُعطي الحضن الأخير لأمه وأبيه أو حتى يشاركهم فرحة العيد مع أخوته وعائلته، فذهبت فرحته مع الحداد تاركًا ورائه حسرة وضعها كندبة في قلب كل من عرفه بأخلاقه الحميدة والمميزة وسمعته الطيبة بين الناس، ما حدث معه لم يكن بالحسبان ونؤمن بالقضاء والقدر ولكن الفندق لم يراعي أدنى مستويات السلامة العامة مع هذه المهنة الخطيرة.

 

خبر الوفاة نزل كالصاعقة على أهله فما أصعبها من صدمة عشناها حين تلقينا اتصال هاتفي من مسؤولين الصيانة بالفندق مع والده عنوانه "أبنك أغمى عليه وأخذناه عالمستشفى، بعدين اجا لابوه اتصال ثاني حكوله رجعناه على الفندق، بنصف الطريق رنوله للذهاب إلى المخفر وعندما فقد الأب أعصابه وصرخ بصوت عال "ابني وين" ؟؟

 

 

كان الجواب: العمر الك ابنك توفى، وما أصعبها من عبارةيبكي لها القلب ويجف بُكاء العين فما أصعب ذلك حين تبحث عن مدامعك فلا تجدها! تبحث عنها كي تُطفئ بها جذوة الاشتياق ولهيبُ القلب المشتعل.. تبحث عنها لتخفف وطأة الألم وحدّته على نفسك ولكنها تأبى النزول فتظل تحترق ويحترق قلبك إلى أن يصبح رماداً.

 

 

وأكثر ما يُدمى القلب أننا كنَّا لا نستطيع البوح بذلك وتركناه يرحل دون أن نخبره كم أن الحياة بدونه غربة.. فراقه كالعين الجارية الّتي بعد ما أخضرّ محيطها نضبت.. فراقه حزن كلهيب الشّمس يبخّر الذّكريات من القلب ليسمو بها إلى عليائها، فتجيبه العيون بنثر مائها؛ لتطفئ لهيب الذّكريات ويا ليتها تنطفئ بلا رجعة ولكنها تُخمد وتبقى شرارة تشعل القلب وتعيده سيرته الأولى.

 

 

وبالرغم من كل ما حدث بقيت عائلته تبحث عن الطريقة التي توفي فيها ابنهم وعندما حاولوا الدخول إلى موقع الحادثة منعهم الفندق، يقول عم الشاب:"لا نعلم ما السبب وراء منعنا من دخول مكان الحادثة، وهنالك حلقة مخفية في وفاته".