النظامي يكتب ... فزعات إعلامية لا حملات إستراتيجية


أنباء الوطن -

بقلم : خليل النظامي    

 

وكالة سباي سات - الاخباي - منذ أن ظهرت مسألة مطعوم الحصبة لـ الأطفال على ساحة الرأي العام ونحن نتابع ونتتبع منهجية التطهير الإعلامي التي تقوم بها الأدوات الحكومية عبر وسائل الإعلام وعبر منصات التواصل الإجتماعي المختلفة لـ مضامين الحملة الشعواء وغير المفهومة ضد المطعوم، فضلا عن حملات الشد العكسي التي مورست وإنتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي وقروبات الواتس اب المحلية ضده. 

 

 

وبـ الأمس ظهرت علينا الحكومة عبر شاشات التلفزة في مؤتمر صحفي بصبغة التبرير والدفاع وكأنها موضع إتهام أمام الجماهير وهي بالأصل "غير مذنبة" في مسألة علمية لا سياسية ؛ بمعنى أنها لا تقبل الإجتهاد والتأويل والتلاعب الدعائي.

 

 

وهذا إن دل على شيء فـ إنما يدل على ضعف إستراتيجية عمل هذه الحكومة وضعف أدواتها الاعلامية في مواجهة الشائعات وحملات الشد العكسي الشعواء التي تستهدف النيل منها، فـ الأمر برمته لم يكن يستحق هذا العناء كله ؛ لو طرح منذ البداية بشكل منهجي وإداري إعلامي إتصالي سليم. 

 

 

وفي معرض تتبعنا لـ هذا المشهد نستطيع القول أن هناك حالة من "التفكك الإتصالي" تجاوزت مسألة "فجوة الثقة" أصيبت بها العلاقة التي تجمع المواطنين بـ الحكومة، وهذا مؤشر في غاية الخطورة ؛ فلو بقي الأمر على مسالة الثقة لسهل علاجه، ولكن مسالة "التفكك الإتصالي" هذه فهي تعني أن هناك "قطيعة" مباشرة بين السلطات والجماهير وهذا ما يجب أن تركز عليه الحكومة بشكل عام ووزارة الاتصال الحكومي على وجة الخصوص

 

ومن على الضفة الأخرى ؛ أعتقد أن هناك صورة ذهنية تكونت عند بعض المسؤولين في المؤسسات الحكومية وبعض صناع القرار، مضمونها أن قانون الجرائم الإلكترونية الجديد سيعمل على الحد من حملات الشد العكسي ضد القرارات والتوجهات الحكومية، ونعم هذا صحيح إن كان على صعيد سلوكيات الفرد البسيطة، ولكن على صعيد الحملات الشعبية الواسعة والشائعات الكبيرة فهذا لن يجدي نفعا، فالحكومة تستطع محاكمة فرد على سلوك معين، أما محاكمة شريحة واسعة من الجماهير على ردة فعلهم تجاة قرار أو توجه حكومي فهذا أمر غير ممكن، لهذا أنصح الساسة وصناع القرار بعدم الإتكال على هذه الصورة والمضي بـ الشكل الصحيح والسليم منهجيا وإداريا في تنفيذ القرارات خاصتها. 

 

 

اللافت بـ المشهد العام أن وزارة الصحة ومنذ البداية لم تقم بتهيئة بيئة إعلامية سليمة تستهدف أذهان المواطنين ووضعهم في الصورة الصحية لهذا المطعوم والحاجة إليه بشكل "إتصالي علمي دعائي" من خلال حملة اعلامية توعوية بالتعاون مع وسائل الاعلام، الخلل الذي نتج عنه تفوق وإنتشار حملات الشد العكسي "غير معلومة المصدر" على قرار وزارة الصحة بطرح المطعوم. 

 

 

وما قامت به وزارة الصحة وبعض الجهات المساندة لها عبر وسائل الإعلام على إثر الحملة المعاكسة من مقابلات متلفزة عبر البرامج الرئيسية في عدد من القنوات والإذاعات، وما نشره بعض مشاهير منصات التواصل الاجتماعي يمكن وصفه بـ "العشوائية الإعلامية" التي لا يمكن أن تحدث أي تأثير على أذهان الشرائح المستهدفة أو في مكافحة الحملة الشعواء والحد منها.

 وهذه العشوائية الاعلامية ليست بـ السلوك الجديد على المؤسسات الحكومية، وإنما أصبحت ثقافة سائدة عند الكثير من المؤسسات وتعتبر شكلا من أشكال الترهل الإعلامي، نظرا لـ عدم وجود متخصصين في علم الإتصال الجماهيري وإدارة الأزمات، بسبب سوء معايير التعيينات التي تتم في هذه المؤسسات من كفاءات معضمها ليس لهم علاقة بـ علوم الإتصال وإدارة الأزمات والشواهد كثيرة.

 

 

 ويكشف المشهد الحالي أيضا عن حجم الترهل الذهني في إدارة الازمات والإدارة الإعلامية، وسوء جودة البرامج التدريبية التي أطلقتها الحكومة بـ التعاون مع المعاهد والمنظمات الدولية لـ تدريب الناطقين الإعلاميين والعاملين في مديريات الإعلام في الوزارات على إدارة الأزمات، والأصل كان ؛ أن تحدث هذه البرامج وعيا ذهنيا وسلوكيا من الناحيتين "الإعلامية والإتصالية" لدى العاملين في مديريات الإعلام والناطقين الاعلاميين ولكن واضح جدا أنها لم تحدث شيئا. 

 

 

بـ المقابل نجد أن وزارة الإتصال الحكومي لم تقم بـ واجبها كما يجب، فـ الأصل في مثل هذه الحالات أن لا تبقى الوزارة واقفة بموقف المتابع والراصد، وإنما كان عليها المبادرة على الفور بـ إطلاق حملة توعوية ذات المدى القصير خاصة بـ هذا المشهد لـ تطهير ومعالجة وتفادي أي تطورات يمكن أن تحدثها كرة الثلج العكسية التي رصدناها جميعا تكبر شيئا فشيئا في الأوساط الشعبية وعلى ساحات منصات التواصل الإجتماعي وتأخذ الأثر والتأثير كله.

 

 

 وكان يجب على وزارة الإتصال الحكومي التعلم من تجربة الأردن الإعلامية الناجعة جدا في ذروة الكورونا والتي كان اساسها فلسفة "توحيد المرجعية الاعلامية"، ولكن يبدو ان الأفق ما زال ضيق أمام وزارة الاتصال والحكومة بشكل عام، وبحاجة لـ الاطلاع على عدد أكبر من التجارب والدراسات والأبحاث المعنية بإدارة الازمات والسيطرة على حملات الشد العكسي من خلال نظريات الاتصال. 

 

 

هذا المشهد وما سبقه من مشاهد مشابهة يدعو لـ إعادة النظر في هيكلية البنية الإعلامية من ناحية الموارد البشربة الموجودة في المؤسسات الحكومية، وإعادة بناء الاستراتيجية الإعلامية وإستراتيجية العلاقات العامة وإدارة الأزمات المركونة في الأدراج منذ أن تمت صناعتها.

 

الأنباط –