العين بالعين تجعل العالم بأكمله أعمى


أنباء الوطن -

 

 د. عبدالله حسين العزام

 

في العصور القديمة والوسطى أو في المجتمعات البدائية، كان قانون العين بالعين.. والسن بالسن.. أو قانون الانتقام ، يجسد مبدأ العدالة المتبادلة في حالة الصراعات أو الإصابات أو الأضرار.

 

ما يحدث الآن في المجتمع الدولي والعلاقات الدولية من صراعات وحروب مسلحة يؤكد أن العالم، والدول العظمى، عملت على شرعنة قانون الانتقام والقوة والعولمة في فرض سياساتها التوسعية والإمبريالية على الدول الوطنية، على حساب القوانين والأعراف الدولية والقوانين الإنسانية وقوانين السلم والحرب، وأصبح لمفهوم الحرب نفسه دلالات مغايرة، وشرع السياسيون في استخدامه في سياقات غير مسبوقة، ووفق قواعد لم تألفها مفاهيم السياسة ومصطلحاتها.

 

وهكذا، وبشكل فجائي أضحى العالم يعيش في دوامة معقدة ومفتوحة من العنف الأعمى، وحروباً يصنع تجارها حدوداً إقليمية وعالمية، يؤمنون بالدولة ويكفرون بها في اللحظة نفسها، يؤسّسون لجغرافيا سياسة مغايرة تقوِّض قواعد العلاقات الدولية المتعارف عليها، ويبنون كيانات هجينة عابرة للأوطان والدول، حتى بتنا نعيش الآن إرهاباً ما بعد حداثياً، يكفُر بالدول والقوانين ويسعى إلى إعادة شريعة الغاب في أبشع صورها القروسطية (القرون الوسطى).

 

ولقد انعكس ذلك على طريقة عمل العديد من الخارجون عن القوانين والأنظمة والتشريعات السماوية في أوطانهم، والذين يمارسون إجراءات تمييزية وسياسات تعسفية في المنظمات الوطنية العامة التي يعملون فيها للحفاظ على المصالح الشخصية وتحقيق المكاسب المادية والوظيفة في مواقعهم، على حساب المصالح العامة و المصالح الوطنية أو مصالح السلم المجتمعي، أو مصالح الأمن الإجتماعي فهم عادة ما يحاولون، شرعنة الظلم اليومي المنتشر والخبيث في منظماتهم التي تستند لهم مهام إدارة أروقتها و بناء تصورات سلبية مغلوطة عن العاملون فيها، إلى إداراتهم العليا أو للجهات الرقابية، بغرض إقصائهم من العمل المؤسسي وخدمة الصالح العام والبلاد والعباد، للحفاظ على مواقعهم ومكتسابتهم التي تتحقق على حساب حقوق الآخرين من الأفراد والمجتمع.

 

وعادة ما يحدث ذلك عندما يشعر الخارجون عن القانون في المنظمات العامة بأن مكتسباتهم ستزول ومصالحهم مهددة، جراء رفض بعض العاملون من اتباع الأوامر التي من شأنها أن تؤدي إلى التمييز؛ أو الأضرار بالأمن المجتمعي أو الأمن الوطني، أو نتيجة رفع العاملون دعوى أو تقديم شكوى أو تحقيق في منظماتهم؛ علاوة على رفض ارتكاب أعمال غير قانونية بالرغم من توجيهات صاحب العمل أو طلبه للقيام بذلك من العاملون في تلك المنظمات؛ أو سؤال المديرين أو زملاء العمل عن معلومات تكشف عن المكاسب التمييزية المحتملة والتي بمجملها غير قانونية، أو تعزيز تصاعد الولاءات الضيقة والصغيرة على حساب الولاء للوطن والدولة والثوابت الوطنية ومصالحها العليا، في اتجاه معاكس للمشترك العام، وبما يقوض الأمن، ويعطل سبل السلام، ويعوق التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

 

أخيراً الظلم يولّد الانفجار.. والعنف لن يولّد إلّا عنفاً، والسبيل الوحيد، في وقتنا الراهن، احترام القوانين والأنظمة وحقوق البشر والإنسانية، واللجوء الى معاقبة المقصر بحق الأوطان والمنظمات وإنصاف من يحرص على بناءها وحمايتها، بعيداً عن حاسّة الظلم وشرعنة الباطل بحق الأبرياء، عندها يمكننا ايقاف عجلة الدم ، التي تدور وتدور ولا تزال تدهس البشر يميناً وشمالاً في شتّى بقاع الأرض.