ترامب يضع العرب على المحك فما هي خياراتهم؟
د.بسام روبين
قدم ترامب خدمة للعرب من حيث لا يعلم في قراره تهجير أهل غزة إلى بعض الدول العربية ، ملتقيا مع اليمين الصهيوني المتطرف الذي سارع بتأييد مفتوح لقرار ترامب ، حين أجاز لنفسه التصرف بما لا يملك مخالفا للقانون وللأعراف الدولية وواضعا المشهد السياسي العربي و الدولي أمام تحولات متحركة كبرى ، وأجلس العرب تحديدا أمام خيارات وتحديات صعبة في كيفية التعامل مع رئيس لا يلتزم بالمواثيق ولا بالقوانين ولا حتى بالتحالفات ، ظنا منه أنه قادر بسهولة على فرض هيمنته على قرار هذه الأمة العظيمة ، كاشفا للعرب أن إعتمادهم على أمريكا ليس خيارا إستراتيجيا ولا مضمونا ، ووضع أمامهم مخارج ستدفعهم لإتخاذ قرارات إستراتيجية بعيدة عن الهيمنة والتبعية ، وتؤمن دعما غير مسبوق للأمن القومي العربي ولشعوب المنطقة ، وحثهم على إستثمار التوازنات والتناقضات الدولية ، بدلا من الوضع الحالي الذي يقوم على بقائنا رهائن بيد إدارة ساكن البيت الأبيض وبما يصدر عنها من قرارات ظالمة ودكتاتورية لا تراعي مصالح الشعوب العربية وتعلن إنحيازها دوما للكيان الصهيوني المحتل ، حتى بات الإستثمار في التحالفات الدولية خيارا حتميا أمام الدول العربية.
ومن الممكن لزعماء الدول أن يتغلبوا على أزمة التهجير التي جاء بها رئيس غير ملتزم بالقوانين يصعب التعامل معه ، فهو لا يتقن السياسة ولا حتى الدبلوماسية ، بقدر ما يجيد التجارة والبلطجة ، فقد حفزه الصمت العربي إيبان تهويد القدس ونقل السفارة الأمريكية إليها وضم الجولان إلى الإندفاع نحو قرارات تهدد الأمن القومي العربي دون أن يلتفت إلى مكانة هذه الأمة وقوتها السياسية والعسكرية والإقتصادية ، فإستمرار بعض العواصم العربية في تقديم الولاء السياسي والإقتصادي حتى الآن إلى واشنطن ، حفزها نحو المزيد من التهميش والضغوط على الأمة العربية ووضعها كأمة واحدة بين المطرقة والسندان .
وهنالك خيارات متاحة للعرب الآن وجب إستثمارها وحان الوقت للركض نحوها ، فإما ان يظلوا يراهنوا على تغييرات مستقبلية في موقف واشنطن وهذا الرهان أثبت فشله ، فالمجرب لا يجرب ، أو أن يصعدوا إلى قمة الشجرة ويلعبوا دورا إستراتيجيا محوريا يقوم على تشكيل تحالف عربي مستقل غير خاضع للضغوطات والإملاءات الأمريكية ويهتم بالمصالح العربية ويعلن التلويح بأوراق الضغط العربية المؤثرة التي بحوزة كل دولة عربية ضد ترامب ، وأعتقد أن هنالك بوادر إنفراج بدأت تحصل في الموقف العربي ، فالسعودية تبنت موقفا إستراتيجيا واعدا ، وكذلك مصر وجيشها العظيم ، أما الأردن فهي متميزة في القضايا العربية ، فقد بادرت في تحدي ترامب ونزل الشعب الأردني إلى الشوارع تأييدا لجلالة الملك في وقوفه بوجه التهجير الذي يسعى هذا الرئيس لفرضه على هذه الأمة ، أما مجلس النواب الأردني والذي يعكف على دراسة مشروع قانون قدمته جبهة العمل الإسلامي لرئيس المجلس يجرم تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ويسند جناية لأي مسؤول يقرر الموافقة على التهجير ، وهذا سيضع بعض النواب أمام إختبار وطني صعب ، فإما أن يكونوا مع الوطن والأمة والملك أو أن
يظهروا على حقيقتهم بدون مكياج مالي وسياسي أمام الشعب الأردني العظيم ، ونتمنى على جميع الشعوب العربية مساندة زعمائها الذين يعارضون التهجير ودعمهم في مواجهة ترامب علنا نتجاوز هذه المرحلة ونتحول الى أمة واعدة ذات سيادة تعنى بمصالح أمتنا العربية ، مما سيجعلنا قطبا مهما في النظام العالمي الجديد القائم على تعدد الأقطاب .
حفظ الله أمتنا العربية في مواجهة قرارات ترامب التعسفية .
عميد اردني المتقاعد