استقلالية البنوك المركزية ضمانة الاستقرار

لكاتب - د. محمد أبو حمور
استقلالية البنوك المركزية ضمانة الاستقرار
يبدو أن تبعات قرار الادارة الامريكية بفرض التعرفات الجمركية لا تقتصر فقط على الاسواق المالية وسوق السلع خاصة مع بروز الخلافات بين الادارة السياسية الامريكية وبين مسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
فبعد الانتقادات لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي دعا الرئيس الامريكي مراراً إلى خفض معدلات الفائدة لتساهم في تحفيز النمو الاقتصادي مع إطلاق خططه المرتبطة بالرسوم الجمركية وهدد باتخاذ خطوة غير مسبوقة تتمثل بإقالة رئيس مؤسسة تمثل أحد رموز الاقتصاد الحر وتحظى بالاستقلالية وبثقة عالية بين المستثمرين وصناع السياسات نظراً للتأثير المباشر لقراراتها على الانشطة النقدية والاقتصادية ليس محلياً فحسب بل على مستوى العديد من دول العالم.
أثبتت التجارب العالمية أن البنوك المركزية التي تتمتع بالاستقلالية وادارة السياسة النقدية بعيداً عن التأثيرات السياسية أكثر قدرة على تحقيق نتائج أفضل والتأثير ايجاباً ليس فقط على مستوى السياسات النقدية بل وعلى الاداء الاقتصادي بشكل عام.
وبعكس ذلك سوف تتأثر معدلات التضخم والنمو وقدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل خاصة اذا تم اتخاذ اجراءات تؤثر على سعر صرف العملة.
وهناك تجارب قريبة تؤكد ذلك مرتبطة بتدخل السلطات السياسية في السياسات النقدية، مثل تدخل السلطات التركية في قرارات البنك المركزي مما تسبب في ارتفاع حاد للتضخم، قبل أن تضطر لاحقاً للموافقة على استقلالية البنك، الأمر الذي ساعد في تهدئة معدلات التضخم.
ونستذكر أيضاً ما حدث اثناء وفي أعقاب الكساد العظيم في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي عنما لجأت الولايات المتحدة الى فرض رسوم تعرفة جمركية وتبعتها العديد من دول العالم وتفاقمت هذه الاجراءات الى حد اللجوء لتخفيضات متكررة على سعر صرف العملات مما تسبب في موجة عاتية من التضخم في مختلف دول العالم ولم تهدأ الا بعد مقررات بريتون وودز التي وضعت الاساس للنسخة الراهنة من العلاقات الاقتصادية الدولية المستندة الى مباديء اساسية تتمثل في الاقتصاد الحر وتعظيم دور القطاع الخاص وحرية التجارة وبناءً عليها تم تأسيس المؤسسات الدولية التي ترعى هذه المباديء وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة الحرة التي انشأت في أعقاب محادثات ومفاوضات طويلة في اطار اتفاقيات الجات.
وفي الوقت الراهن تثار بعض التساؤلات حول مستقبل النظام الاقتصادي العالمي والمؤسسات الدولية التي تعمل على ترسيخ وتدعيم الاسس التي يقوم عليها، الا انه من المستبعد أن يتعرض هذا النظام لتهديدات جوهرية رغم الحالة الضبابية الراهنة، فمعظم دول العالم حريصة على استمراريته نظراً للمنجزات التي تحققت من خلاله عبر السنوات الماضية.
محلياً استطاع الاردن أن يحقق انجازات مميزة وكان للبنك المركزي الاردني والاستقلالية التي يتمتع بها دور بارز في هذه الانجازات بما فيها استقرار سعر صرف الدينار ومعدلات التضخم المتدنية والاحتياطي من العملات الاجنبية وجاذبية البيئة الاستثمارية والاستقرار الاقتصادي ومواصلة تحقيق معدلات نمو ايجابية رغم صعوبة الظروف الاقليمية وما ترافق معها من تحديات.
وهذا يحتم علينا مواصلة العمل والانجاز لتنفيذ طموحات ومستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي مع مراعاة ما يشهده العالم من تغيرات تستدعي وضع برامج قابلة للتنفيذ في ظل المعطيات المتوفرة وتتمتع بمرونة تتيح لها التعامل مع ما قد يطرأ من تطورات مستقبلية.