حين تتقاطع السياسة مع القيم الإنسانية: الكيان الصهيوني يقاطع وداع البابا فرنسيس”


أنباء الوطن -

 

بقلم الدكتور عصام الكساسبه 

عضو حزب عزم 

في مشهد يكشف حجم الانفصام الأخلاقي والسياسي الذي يعاني منه الكيان الصهيوني، تناقلت وسائل إعلامية وتقارير دبلوماسية توجيهًا صادرًا عن وزارة الخارجية في تل أبيب إلى بعثاتها الدبلوماسية، يقضي بعدم تقديم واجب العزاء رسميًا بوفاة البابا فرنسيس، إذا ما وافته المنية، وذلك بسبب مواقفه “المتحيزة”، على حد وصفهم، من المجازر المرتكبة في قطاع غزة.

 

هذا الموقف الصهيوني ليس مفاجئًا لمن يتابع السياسة العدوانية لهذا الكيان منذ عقود، لكنه يشكل سابقة دبلوماسية فريدة تكشف عن مدى ضيق صدره تجاه أي موقف أخلاقي يتعاطف مع الضحايا الفلسطينيين، حتى وإن صدر من رأس الكنيسة الكاثوليكية، أحد أكثر الأصوات رمزية على الساحة العالمية، والذي لم يطلب سوى احترام القانون الدولي ووضع حد لمعاناة الأبرياء.

 

لقد تميز البابا فرنسيس، منذ بداية العدوان الأخير على غزة، بمواقف إنسانية جريئة، دعا فيها إلى وقف إطلاق النار، وعبّر عن حزنه العميق للمجازر التي ترتكب بحق المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء. ورفض الخضوع لضغوط سياسية تمارسها قوى نافذة داخل أوروبا وأمريكا لتكميم الأصوات المناصرة للحق الفلسطيني.

 

إن امتناع الكيان الصهيوني عن أداء واجب العزاء لا يمكن فهمه إلا كمحاولة لمعاقبة البابا على صراحته، ولتوجيه رسالة ترهيب لكل من تسوّل له نفسه اتخاذ موقف إنساني في وجه آلة الحرب التي لا تميز بين مدني ومقاوم.

 

في الواقع، هذا السلوك يُظهر حالة من الإفلاس الأخلاقي والسياسي، إذ باتت حتى المبادئ الإنسانية، التي يفترض أن تكون خارج دائرة الصراعات، عرضة للمقايضة في قاموس الدبلوماسية الصهيونية. وهي مقايضة فاشلة، لأن التاريخ لا يرحم، ولأن البابا، بحكمته وصدقه، كتب اسمه في سجل الضمائر الحية، بينما يكتب الآخرون أسماءهم في قوائم الاتهام الإنساني.

 

ولعل هذا المشهد يطرح تساؤلاً أكبر: إلى أي مدى سيظل العالم يتغاضى عن هذا الاستعلاء الصهيوني على كل عرف دبلوماسي، وكل قيمة أخلاقية، وكل نداء إنسان