قصة المارد الذي افزع قرية أبو ديس ... من التراث لا تعرفها الأجيال

أم رْميح
قصة من التراث لا تعرفها الأجيال
يرويها: الأستاذ الدكتور أحمد حامد أبوهلال
عن والده الشيخ حامد أبوهلال وأخيه الحاج محمد حامد أبوهلال (أبو مروان)
كان والدي - المرحوم بإذن الله- حامد ابوهلال، الذي ولد عام 1870 وتوفي عام 1966، محدثا وراوية بارعا، يروي لمن ياتي إلى بيتنا للسهرة قصصا عن تراث بلادنا وبلدتنا وقصصا عن أيام الحكم التركي وكثيرا من القصص البدوية التي كان يرويها على حلقات، لأن السهرة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي لم تكن لتطول لأن الناس الكبار في السن لا يسهرون طويلا. وقد شاهدت في الثمانينات وما بعدها من القرن الماضي على التلفزيون الأردني وعلى حلقات أيضا الكثير من القصص البدوية التي سمعتها من والدي. ومن أجمل وأغرب القصص التراثية الحقيقية التي سمعتها منه عن بلدتي أبوديس، وتحدثت قبل أيام مع أخي الحاج محمد حامد ابوهلال "أبو مروان" أطال الله في عمره بصحة وعافية، لنستذكر أحداث القصة قبل أن أرويها وأكتب عنها، ولأتأكد بأنني أرويها في أكمل نص وصورة كما سمعناها من الوالد يرحمه الله.
القصة: هي قصة (( إمْ رْميحْ )) باللهجة المحكية أو (أم رُمَيْح) بالفصحى، و (رُمَيْح) هي تصغير كلمة (رُمْح).
فما هي قصة (( أم رْميح ))؟
كانت منطقة (رأس كبسا) هي عبارة عن عنق الزجاجة وممر رئيس للقوافل التجارية المارة بين المناطق التي تقع شرق نهر الأردن، والجزيرة العربية في نجد والحجاز إلى القدس ومدن وقرى فلسطين التي كانت ذات تقدم وحضارة وموارد طبيعية مقارنة بما حولها في تلك الأيام.
ولكن لم يكن هناك كهرباء طبعا، إلا نور القمر بين هِلالِهِ وبدره وبين بَدْرِهِ ونهاية شهْرِه.
وظل التجار والقوافل تتعرض عند منطقة (راس كبسا) لحدث غريب أو ظاهرة غريبة و مرعبة من آن لآخر. وفي هذه الظاهرة كان يظهر فيها (مارِدٌ) أو (شبح) يتعرض لقوافل التجار والمارة من مستخدمي الدواب، فيرتعبون ويولون الأدبار، تاركين وراءهم الكثير مما يحملون عل دوابهم. وظل هذا الحدث يتكرر من أن لآخ، ولكن لم يكن هناك من طريق أقصر وأفضل من هذا الطريق. وكان كل شيء طبيعي في النهار والأمور تسير بخير وبلا مارد ولا خوف. وكان الهاربون من الشبح الذي أرعبهم في الليل إذا عادوا إلى المكان صباحا يجدون دوابهم وبعض وما تركوه حينما هربوا بالليل، وليس كل شيْ.
كان (المَارِدْ) حين يتعرض لهم عند رأس كوبسا يطول شيئا فشيئا وقليلا قليلا، فيبلغ طوله حدا معينا، ثم يبدأ طوله يتناقص شيئا فشيئا وقليلا قليلا، في منظر يرعب الناس فيولون الأدبار ويهربون من المنطقة خوفا من المارد أو الشبح.
وفي إحدى المرات تعرض (المارد) لبعض المارة وكان بينهم أحد الأجداد القدامى إسمه أحمد أبوهلال الذي قرر ليلتها عدم الهرب وتابع مشيه نحو المارد. ليجد أن المارد بدأ يتراجع، وكلما مشى أحمد أبوهلال ليقترب من المارد تراجع المارد بسرعة أكبر، مما شجعه على الإستمرار في المطاردة. وذهب المارد باتجاه منطقة المرج غرب ابوديس، فتابعه الرجل حتى وصل المارد إلى (مغارة)، فتبعه أحمد أبوهلال إلى داخل (المغارة). وبدأ يمشي في المغارة وسلاحه في يده، متابعا أي حركة يسمعها. وبعد وقت لم يكن طويلا سمع صوتا يقول " أنا دخيلك" "أنأ دخيلك"، ولذهوله أنه سمع صوت أنثى، مما أخافه وحسب أنه ربما يكون ماردا من جان. ولكنه تمالك نفسه، وقال "إطلع ... بَيِّنْ .... شو إنت؟" فجاءه الجواب "أنا إنسان أنا مش مارد، أعطيني الأمان أنا دخيلك". قال الرجل: عليك الأمان، أخرج واظهر عليك الأمان، ولما خرج المارد أمسك وسلم نفسه، فإذا هي إمرأة وإنسانة أنثى حقيقية تتكلم وتسمع وترى.
فأخذها معه إلى أبوديس، وفي الصباح الباكر ذهب معها إلى المغارة ليجد المغارة مليئة بالغنائم من حبوب وسمن وعسل وما هب ودب.
ولكن ماهو (المارد)؟
سألها عن حيلة المارد. فقالت له ثوبي البدوي يتكون من عدة طبقات (3 طبقات)، كنت حين أريد أن أتعرض للمارة في الليالي غير المقمرة، أحمل معي عصا طويلة أو قُصِّيبَة - تشبه الرمح الطويل-، وأضع طرف الثوب على طرف الرمح، وحين أسمع أصوات قوافل المارة من التجارأتجه نحوها، وحين أقترب منها أبدأ برفع الرمح وعليه طرف الثوب شيئا فشيئا، حتى يبلغ منتهاه، ثم أبدا بتنزيل الرمح شيئا فشيئا إلى أدنى مستواه، فيرتعب الناس ويحسبوني ماردا، وهكذ أكسب لقمة عيش رغيدة.
أعجب أحمد أبوهلال بكيدها وجرأتها وطلب منها أن تعيش حياة في العلن وبين الناس وتحت رعايته. وعُرِفَتْ بين الناس ب: (أم رميح) نسبة إلى الرمح الذي جعل منها ماردا يخافه الرجال. وبذلك غاب المارد عن المكان وانتهت قصص الرعب التي سببها في المنطقة.
ولكن مهلا.... لم تنته القصة.
قام أحمد أبوهلال وزَوَّجَ تلك المرأة التي كان لونها يميل إلى السواد، زَوَجَها إلى صبَّاح، جَدِ آلِ صبَاح، وكان عمرها لا يسمح لها بالإنجاب.
وعاشت "أم ارميح" (زوجة صباح) بين نساء القرية، وكانت النساء في ذلك الوقت يذهبن كل يوم لجمع الحطب، وكانت "أم رميح" هي القائد والحارس القوي الجرئ والأمين عليهن. وكانت عند خروجها في الصباح الباكر تبدأ "تزغرد"، وكانت زغرودتها عالية جدا في بلدتنا الهادئة، وفيها نداء لنساء القرية للخروج إلى شرق أبوديس لجمع الحطب. ولم يكن يجرؤ أي ذكر أو أي رجل أن يقترب من النساء والبنات ما دمن مع ""أم رميح". فكانت مصدر أمن وأمان لنساء القرية، بعد أن كانت مصدر رعب في كل المنطقة.