كيف تجعلون أطفالكم عباقرة؟


أنباء الوطن -

تُعتَبَر نسبة الذكاء من الصفات التي تميّز الأشخاص عن بعضهم، إذ تحدّد بشكل مباشر حياة الفرد على جميع الاصعدة فتجعله متفوّقاً في عالمه أو متخلّفاً، او حتى إنساناً عادياً لا يتميّز عن غيره بشيء خاص.

وفي حين تعتبر المقولة الانكليزية الشهيرة أنّ العباقرة لا يولدون بل يُصنعون (Geniuses Are Made, Not Born)، جاءت بعض الدراسات لتؤكّد أنّ الذكاء أمر وراثي!

ولتوضيح هذه الاشكالية، كان لـ«الجمهورية» حديث خاص مع الاختصاصي في علم المناعة، والباحث في مركز الابحاث التابع للمركز العالي للدكتورا في الجامعة اللبنانية الدكتور حسان السعيّد، الذي أكّد أنّ الذكاء أمر وراثي، شارحاً أنه «لا يوجد تعريف موحّد للذكاء، فطريقة قياسه متعدّدة، فمنهم مَن يعتبره القدرة على التعلّم، وآخرون يعرّفون عنه أنّه القدرة على التأقلم مع الظروف، أو القدرة على التحمّل وحلّ المشكلات.

وأثبتت التجارب أنّ الذكاء هو المادة الخام التي تُعطى من قبل الوالدين، فنسبة جينات الذكاء الموروثة تشكّل 50 في المئة من ذكاء الأطفال».

هل نرث الذكاء من الأم؟

تكثر الأقاويل حول أنّ الأولاد يرثون ذكاءهم من الأم، ما قد يجعلنا نظنّ أنّ النساء هنّ أكثر ذكاء مقارنة بالرجال. وفي هذا الاطار، أكّد سعيّد أنّ «هذا غير صحيح، فالذكاء يخضع الى المبادئ الوراثية نفسها التي تحدّد لون العيون مثلاً، ولا يتأثّر بجنس الشخص نهائياً، كما أنّ النساء لسن أذكى من الرجال، بل تركيبة دماغهم مختلفة.

فهنّ لديهنّ قدرة على التحمّل والتركيز على أكثر من موضوع في آن واحد، اما تركيبة دماغ الرجال فتختلف وهم لا يمكنهم التركيز إلّا على موضوع واحد».

التحكّم بالذكاء جينياً

أثبتت التجارب العلمية أنّ أكثر من 50 في المئة من الذكاء مرتبط بالتركيبة الجينية للإنسان، ولكن لم تتوصّل حتى الآن إلى تحديد أكثر من 2 في المئة من هذه الجينات والتي هما م1 وم3، وبحسب السعيّد: «يمكن التحكّم بهذه الجينات دفعة واحدة، وفي حال تمكّن العلماء من تعديل وضعية هذه الجينات والتحكّم بها، سيخلق انسان خارق الذكاء، والعكس صحيح في حال عُطلت هذه الجينات».

تقدّم الذكاء مع العمر

يمكننا ملاحظة أنّ الذكاء يزيد مع العمر، وقد نتساءل عن سبب ذلك وقد يربطه كثيرون بتحصيل عدد من الخبرات. وفي هذا السياق، لا ينكر السعّيد ذلك، بل يؤكده قائلاً: «يفسّر زيادة الذكاء مع العمر من خلال تأثير «ويلسون»، والذي يُعرف علمياً بأنه تأثير الموروثات والجينات وتفعيلها في الشخص مع التقدّم في العمر.

كما أكّدت الدراسات التي أجريت على التوائم أنّ الموروثات المختلفة المسؤولة عن الذكاء تبدأ العمل والتعبير في مرحلة متأخّرة من عمر الانسان. أمّا بالنسبة لدور الخبرات، فنحن نعلم أنّ الذكاء سمة طبيعية تشكّل أحد العوامل الوراثية الموزّعة بين الأفراد على نحو مختلف، تبعاً لما تمّ أخذه من الأهل، ولكننا نعلم ايضاً أنّ لتحصيل هذه النتيجة الموروثة يجب أن نؤمّن لها البيئة المناسبة.

فسوء التغذية مثلاً يؤدّي الى نقص في الذكاء، لانه يمنع تطوّر الدماغ والوصول الى المرحلة المتقدّمة التي يمكن أن يصل اليها، تماماً كالتجربة الفردية التي تحتّم الوصول الى الحدّ الأقصى من الذكاء.

فيجب أن يكون هناك توازن بين الوراثة وتطوير الذكاء، لأنه يجب تفعيل الجينات للتمكّن من استخدامها. ولكن تبقى الوراثة هي الأساس، ولنعتبر مثلاً أنّ هناك شخصين مختلفين طوّرا المهارات نفسها وهما موجودان في البيئة والظروف نفسها، ففي حال تفوّق أحدهما على الآخر، لا يمكن تفسير هذا الموضوع إلّا انه مبدأ وراثي».

صنع الذكاء

الى ذلك، اذا اعتبرنا أنّ العباقرة لا يُنجبون إلّا عباقرة، والأبناء يرثون عبقرية آبائهم وإبداعهم، فهل هذا يقطع الطريق أمام ظهور أشخاص متفوّقي الذكاء اذا لم يكن أهلهم كذلك؟

ففي هذا الإطار، حاورنا الاختصاصية في علوم الحياة وفي الادارة التربوية وتفعيل المهارات فاتن حسن، التي قالت: «صحيح أنّ الدراسات أكّدت أنّ 50 في المئة من الذكاء مرتبط بالتركيبة الجينية، ولكن من المعلوم أيضاً أنّ الدماغ يعمل من خلال التوصيلات بين الخلايا العصبية التي كلّما تشعّبت أكثر كلّما سرّعت وعمّقت معالجة المعلومات وبالتالي رفعت نسبة الذكاء.

أمّا طريقة اكتساب هذه السرعة والعمق في معالجة المعلومات، فتكون عن طريق تعرّض الفرد منذ صغره لخبرات متنوّعة وغنية تحثّ الدماغ عبر تحفيز الجينات المرتبطة، إلى إنشاء وصلات عصبية متشعّبة أكثر».

أنواع الذكاء

لنعتبر أنّ والدَي احد الأطفال ليسا ذكيّين، فهل يمكن أن يطوّر الطفل نفسه ويصبح أكثر ذكاءً من غيره؟

تجيب حسن: «يمكن تحقيق ذلك إذا رفعنا سقف التوقّعات من الطفل وتحدّينا قدراته وحضّرنا البيئة اللازمة لإغناء تجاربه، ما يُلزم الدماغ على إنشاء وصلات عصبية إضافية. وسابقاً، كان الذكاء يُعرَف على أنه القدرات الذهنية العامة للفرد، أما التعريفات الحديثة فتعرّف الذكاء على أنه «القدرة على تعلّم شيء جديد».

كما أنّ نظرية الذكاء المتعدّد والتي تلغي فكرة «عدم وجود ذكاء» تفترض وجود 8 أنواع من الذكاء: موسيقي، منطقي-رياضي، لغوي، حركي، طبيعي، شخصي (ذاتي)، اجتماعي. ويمتلك كلّ فرد كلّ هذه الأنواع ولكن بنسب متفاوتة وتعتبر النسب الأعلى هي الذكاءات المهيمنة (Dominant).

كيف نصبح اكثرَ ذكاءً؟

افترضت النظريات السابقة بأنّ الذكاء يرتبط بشكل وثيق بالعامل الوراثي ولا يمكن تطويره، وبأنّ ما يكتسبه الفرد بالتعلّم يخسره في حال أوقف التدريب عليه ليعود لحاله المرتبط بمستوى الذكاء الوراثي. وفي هذا الاطار، تشرح حسن: «هذا الأمر غير علمي وذكاء الفرد يتطوّر بالتدريب.

وهنا نقترح 5 أهداف أساسية يمكن من خلالها تعزيز تطوّر الذكاء وهي:

• البحث عن التجدّد: يُعتبر تعلّم الأشياء الجديدة من سمات كبار العلماء، حيث نجد أنهم يمتلكون مهارات في مجالات متعدّدة ومتباعدة. وليتمكّن الفرد من تعلّم أشياء جديدة يحتاج لسمة مهمّة تُعتبر مفتاحاً للتجدّد الدائم وهي «الانفتاح» على التجارب الجديدة. ابحث دائماً عن أنشطة جديدة تشغل بها فكرك وتوسّع بها آفاقك الذهنية. مثلاً، تعلّم لغة جديدة، اقرأ عن علوم مختلفة، تعلّم العزف على آلة، قم بزيارة أماكن جديدة...

• تحدي الذات: تساهم بعض الأنشطة والألعاب في تنمية المهارات الذهنية ولكن هذا لا يكفي لزيادة الذكاء. فعند الوصول لمستوى معيّن من التمرّس في مهارة ما على الفرد أن ينتقل لمستوى أصعب يتحدى فيه ذاته وقدراته الحالية.

• التفكير بإبداع: لا نقصد بالإبداع هنا الرسم أو النحت أو ما يتعلق بالفنّ، بل نقصد بالتفكير الإبداعي التباعدي الذي يتطلّب ربط العديد من الموضوعات والأفكار المتنوّعة، والتفكير الاعتيادي وغير الاعتيادي للوصول لأفكار جديدة ترتبط بالنشاط الذي تقوم به.

• إنجاز الأمور بالطريقة الصعبة: عندما يكون الهدف زيادة معدّل الذكاء، لا يمكن التفكير في «الفعالية» (أي إنجاز الأمور بوقت وجهد أقل) لأنّ هذا لا يفيد تطوّر الدماغ. فالتكنولوجيا مثلاً أثّرت بشكل سلبي على النموّ الفكري والمهاري للإنسان وبالتالي معدّل الذكاء. لذلك، حاول تفادي استخدامها لتجبر دماغك على بذل الجهد لتنمية مهارات وقدرات أعلى تماماً كما تساعد الرياضة على تنمية العضلات والقدرات الجسدية.

• التشبيك: من خلال التشبيك مع أناس آخرين، تكون قد سهّلت إنجاز الأهداف الأربعة الأولى. فمن خلال التعرّض للناس، وأفكار، وبيئات جديدة تستطيع أن تنفتح على فرص جديدة للنموّ الفكري والمعرفي.

تطوير ذكاء الطفل

واخيراً، يطرح السؤال التالي نفسه، متى يجب تطوير وتحفيز الذكاء وكيف؟ وبحسب حسن: «يمكن البدء في تحفيز وتنمية ذكاء الفرد منذ أيامه الأولى من خلال إغناء بيئته وتجاربه اليومية.

وبالتالي على الأهل ان يمنحوا الطفل بيئة غنية بالأنشطة والتجارب الجديدة، وأن يتركوه يتحدّى قدراته وأن لا يجعلوا الأمور سهلة عليه، وإحضار له بعض الألعاب الفكرية التي تعمل على تنشيط مختلف أجزاء دماغه، ويجب جعله يحاول ويعيد المحاولة للوصول إلى التمرّس في المهارة والمعرفة.

واختتمت حديثها قائلةً: «يختلف العمر الذي تصل فيه كل قدرة ذهنية معيّنة، أي جزء من الذكاء، إلى الذروة؛ ففي حين أنّ أبناء العشرينات يبرعون في المهام المرتبطة بالبرمجة، تصل قدرات الذاكرة العاملة إلى الذروة في أواسط الثلاثينات. أما المهارات اللغوية فتستمرّ في التطوّر مع العمر لتصل أقصاها إلى الستينات أو حتى السبعينات».