ثمَّة مسلمات وثوابت في الخطاب الوطني لا تقبل النقاش أو الاجتهادات، ولا يجوز المساس بمضمونها أو العبث بها كالسيادة، والهوية الوطنية، والعقيدة، ومؤسسة العرش، والجيش، والسلم الأهلي، والعيش المشترك، والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية؛ وثمَّة متغيرات يمكن تجديد الخطاب الوطني حيالها، وتخضع للنقاش وفق مقتضيات مصالح الدولة العليا، وتتسع وتضيق وفقاً لمدى اتصالها بتلك الثوابت وارتباطها بها.
ولعل غياب ضوابط الخطاب السياسي المسؤول في العقد الأخير هي المدعاة للجم الصلف الذهني لدى البعض، وترشيد قواعد الحوار المنفلت بما ينسجم مع متطلبات المرحلة وظروفها.
الدولة الأردنية تتعرض لتحديات إقليمية ودولية كبيرة، ومصالحها العليا تتطلب استحضار أعلى درجات الوعي والمسؤولية الوطنية؛ لأن الظروف الاقتصادية هي انعكاس واضح لتلك التحديات، وضريبة وطنية للصمود في وجهها، ذلك أن دعوات جلالة الملك منذ عقدين ونيف لضرورة انتهاج سياسة الاعتماد على الذات في الشأن الاقتصادي هي أكبر دليل على حكمة القيادة في القراءة المبكرة لتلك التحالفات الإقليمية، والتي يدفع الأردن قيادة وشعباً ثمناً باهظاً حيال استحقاقاتها المشينة والتي نشهدها بشكل لافت في السنوات الخمس الأخيرة.
تجديد النخبة السياسية الذي يرافقه تجديد الخطاب الوطني بمشتملاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومغادرة مساحات الأنا المقيتة يفترض أن تكون عنوان المرحلة المقبلة بخطاب رزين واعٍ يقرأ مخاطر الجوار السياسية والاقتصادية والأمنية، ويلفظ ثقافة احتكار الحقيقة ورفض الآخر ، ويفتح عقله وذراعيه لأفق الاستثمار المنفتح بانفتاح واسع لا بد منه، ومخاطر محتملة يجب تفهمها والقبول بها، وقرارت شجاعة وجريئة لا مناص منها؛ لأن الضوابط السابقة على السياسة الاستثمارية والمتعلقة بالاعتبارات الأمنية والمالية ذات الصلة بالإيرادات العامة أفضت - للأسف- إلى لا شيء في ضوء منافسة استثمارية هستيرية في العالم والإقليم.
تجديد الخطاب الوطني يقتضي إدراك حجم المخاطر الخارجية، والتخلي الفوري عن جلد الدولة ومؤسساتها، وممارسة نقد السياسات والقرارت بموضوعية، وهدوء، ومسؤولية، خطاب لا يجامل الأجنبي على حساب الوطن، ولا يستخدم الإعلام وسيلة للوقيعة، أو إثارة النقمة؛ لإضعاف الدولة أو النيل من هيبتها ووقارها، نقد يرتقي إلى مرامي الإصلاح، وأدب الإفصاح، وحوار يلامس طهر الشهداء نبلاً، والبناة الأوائل حرصاً ونقاءً، خطاب مغموس بالحكمة والرصانة يلتزم بقواعد الديمقراطية وأدب الحوار.
خطورة النشوز الوطني تكمن في بعض الأفكار المنفلتة من عقالها التي يتبناها غلاة الساخطين، والذين يتجرأون على طرح بعض الثوابت كمتغيرات، وهؤلاء هم أخطر فئات المجتمع على استقرارنا الوطني، وأكثرهم غلواً في المماحكة، ونشر ثقافة اليأس، وربما ينطلق بعضهم من خدمة مشاريع التآمر ضد الوطن وأهله ومؤسساته بقصد أو بدونه، متناسين أن هذا الوطن العزيز بأبنائه وقيادته قوي منيع، ويلعب دوراً محورياً في المنطقة بخطابه المعتدل، ووسطيته، والتزامه بقيم الحق والعدل تجاه العالم أجمع مما يتطلب منا جميعاً الارتقاء إلى لمستوى تمثل تلك القيم النبيلة.
وحمى الله وطننا الحبيب وشعبنا الأصيل وقيادتنا الحكيمة من كل سوء.
|