مروان الفاعوري: انعكاس ما يجري في الضفة الغربية على الأردن

مروان الفاعوري
تشهد الضفة الغربية تصعيدًا خطيرًا في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية وفق رؤية عقائدية توراتيه تستند الى هرطقات لا أساس لها ويدعم ذلك قرار أمريكي يستهدف شطب اسم الضفة الغربية واحلال يهودا والسامرة بدلا عنها بحيث تتعرض المخيمات والمدن الفلسطينية لعمليات اقتحام ممنهجة تنتهك حقوق الإنسان وتفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية. هذه الجرائم لا تقتصر آثارها على الفلسطينيين وحدهم، بل تمتد لتشمل دول الجوار، وعلى رأسها الأردن، الذي يرتبط تاريخيًا وجغرافيًا وديموغرافيًا بالقضية الفلسطينية. في هذه الورقة، سنناقش مستقبل الضفة الغربية في ظل هذه التطورات وانعكاس ذلك على الأردن من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية.
أولًا: الوضع الراهن في الضفة الغربية
1- التصعيد العسكري والانتهاكات الإسرائيلية
شهدت الضفة الغربية، وخاصة المخيمات مثل جنين ونابلس، تصعيدًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، حيث تقوم القوات الإسرائيلية بعمليات عسكرية واسعة تشمل الاقتحامات، واعتقال الشباب، وهدم المنازل، وفرض الحصار. وتغيير جذري كما زادت عمليات الاستيطان، مما يقوّض بل ينهي فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة ويؤدي إلى مزيد من العنف والتوتر الذي لا يمكن أن تتنبأ به إسرائيل، لماذا إسرائيل وحدها؟
2- الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
ساهمت السياسات الإسرائيلية في إضعاف الاقتصاد الفلسطيني من خلال فرض القيود على حركة الأفراد والبضائع، والاستيلاء على الأراضي، وهدم المنشآت. وقد أدى هذا إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر، مما عزز حالة الاحتقان الداخلي، خاصة بين فئة الشباب وساهمت للأسف السلطة الفلسطينية في تفاقم المشكلة، حيث منعت استصلاح الأراضي خاصه على المناطق والقرى المحسوبة على حماس ووضعت العوائق أمام كل الاستثمارات وتحويل الأموال لكافه الفصائل المعارض لتوجهات السلطة الفلسطينية وكان آخر هذه القرارات وقف صرف رواتب الأسرة والشهداء وهذا يتزامن مع حركه اعتقالات لكل الشباب الذي يقاوم الاحتلال
3- تآكل دور السلطة الفلسطينية
تواجه السلطة الفلسطينية أزمة شرعية متزايدة بسبب عدم قدرتها على حماية شعبها، بالإضافة إلى التحديات السياسية الداخلية والخارجية. كما أن التنسيق الأمني مع إسرائيل أدى إلى فقد ثقة الشارع الفلسطيني بها، مما يفتح المجال أمام تصاعد نفوذ الفصائل المسلحة مثل حماس والجهاد الإسلامي. ومما يزيد حدة المشكلة، إصرار الرئيس عباس على تجاهل دوره ومسؤولياته تجاه اكبر أزمة يتعرض لها شعبه في غزة مقدماً الحساسيات والحسابات الفصائلية على المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وضارباً عرض الحائط كل النداءات من فلسطينيي الداخل والخارج بضرورة إحياء دور منظمه التحرير الفلسطينية وتجديد كافه أطرها بما يضمن الحضور للكل الفلسطيني وضرورة تشكيل حكومة وفاق وطني تتصدى لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية وتجاهل كامل لكافه المؤتمرات واللقاءات التي عقدتها القوى المستقلة والفصائل الفلسطينية في الدوحة وإسطنبول وبكين، لقد كان مأمولاً تكثيف الجهود لتجميع القوى الفلسطينية وحشد الرأي العام العربي والدولي لمواجهه الاحتلال وبناء غرفة عمليات وتخطيط واحدة تواجه الاحتلال، ورفع مستوى الاستعداد وتسليح الشعب الفلسطيني لمواجهة عمليه إبادته واقتلاعه من أرضه.
ثانيًا: السيناريوهات المحتملة لمستقبل الضفة الغربية
- التأثير الأمني
يعتبر الأردن من أكثر الدول تأثرًا بما يجري في الضفة الغربية، حيث إن أي تصعيد هناك قد يؤدي إلى تسلل التوترات الأمنية إلى الداخل الأردني، خاصة مع وجود نسبة كبيرة من الفلسطينيين في المملكة. كما أن تزايد النفوذ الإسرائيلي على الضفة قد يهدد أمن الحدود الأردنية ويؤدي إلى تهجير فلسطينيين جدد نحو الأردن.
2- التأثير السياسي
لطالما كان الأردن لاعبًا أساسيًا في القضية الفلسطينية، وهو الوصي على المقدسات في القدس. استمرار الاعتداءات الإسرائيلية يضع الأردن في موقف صعب بين دعم الفلسطينيين سياسيًا ودبلوماسيًا وبين الحفاظ على علاقاته مع إسرائيل، خاصة في ظل معاهدة السلام بين البلدين.
3- التأثير الاقتصادي
التوترات في الضفة تؤثر أيضًا على الاقتصاد الأردني، حيث إن التجارة والتعاون الاقتصادي بين الأردن وفلسطين يتأثران سلبًا، كما أن موجات العنف تؤدي إلى تراجع السياحة والاستثمارات. ناهيك عن التهديد بوقف المساعدات الاقتصادية الأمريكية للأردن، وهو الأمر الذي استبعده تماما ذلك أن الأردن يشكل موقعاً سياسياً وعسكرياً مهما للولايات المتحدة، كما أنه شريك أساسي في استقرار منطقة الشرق الأوسط في منظومة الأمن الدولية.
4- التهديدات الاستراتيجية
هناك مخاوف أردنية حقيقية من مخطط “الوطن البديل”، وهو الطرح الإسرائيلي الذي يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير الفلسطينيين للأردن وتحويله إلى دولة فلسطينية، وهو ما يرفضه الأردن بشدة، حيث سيصبح ذلك وكأنه تضييع لفلسطين على الفلسطينيين وتضييع للأردن على الأردنيين، وهو لب العقد بين الهاشميين والأردنيين بحمايه الأردن والحفاظ على هويته وهو ما ضحى به الملك عبد الله الأول ودفع ثمنه على عتبات المسجد الأقصى المبارك لكنه يبقى هاجسًا قائمًا.
رابعًا: الخيارات المتاحة أمام الأردن
- تعزيز الدعم السياسي والدبلوماسي للقضية الفلسطينية
إلى جانب استمرار الأردن في دعم الفلسطينيين دوليًا وإقليميًا عبر تعزيز الجهود الدبلوماسية والتي قادها باقتدار وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي للضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها، والعمل مع الدول العربية والمجتمع الدولي لإيجاد حل عادل للقضية. فإنه يتوجب على الأردن في اطار الدفاع عن مصالحه العليا اعتبار أن بناء القوة الذاتية والعسكرية للأردن هي الخيار الاستراتيجي الوحيد الذي يجعل الكيان الصهيوني يحترم التزاماته واتفاقياته التي عقدها الأردن كما انه يتحتم عليه الانفتاح على كافة مكونات الشعب الفلسطيني وخاصة الجزء المقاوم والذي يملك شرعيه شعبية جارفة في أوساط الشعب الفلسطيني، وتحديداً حركه حماس والجهاد الاسلامي مما ينعكس على الأردن بدور كبير على الساحة المحلية والدولية.
2- عزيز الجبهة الداخلية
لمواجهة أي تداعيات أمنية، يجب أن يعمل الأردن على تقوية جبهته الداخلية من خلال تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتحقيق تنمية مستدامة تقلل من تأثير أي أزمات خارجية .ومن الضروري البدء بمصالحات داخليه تنهي حاله التوتر والاستقطاب والتهميش التي تستهدف تيار الاسلام السياسي وعدم اعتباره خصما بل رديفا وداعما في مواجهه الخطر الخارجي الذي يتمثل بالمشروع الصهيوني على الاردن.
– التعامل مع ملف التعاون الأمني بحذر
على الرغم من أن الأردن يحافظ على تنسيق أمني محدود مع إسرائيل لضمان استقرار حدوده، إلا أن عليه الحذر من أي ترتيبات قد تؤثر على موقفه القومي أو تؤدي إلى انتقادات داخلية.
4 – دعم الاقتصاد الفلسطيني
يمكن للأردن أن يلعب دورًا في دعم الاقتصاد الفلسطيني عبر تعزيز التبادل التجاري مع الضفة الغربية، وفتح الأسواق الأردنية أمام المنتجات الفلسطينية، مما يساعد في تخفيف الضغوط الاقتصادية.
5- ضرورة الانفتاح بشكل أوسع للمحيط العربي وتصفير كافة المشاكل والحساسيات مع كافة الاقطار العربية، والبقاء دائما على مسافة واحده في كافه الخلافات التي تنشأ بين الدول العربية بعضها ببعض ولعب دور ايجابي لإحداث مصالحات عربية عربية لبناء موقف موحد تجاه الاخطار التي تتحدى الوطن العربي ككل من المشروع الصهيوني والتواصل مع المحيط الاسلامي الذي يشكل حاضنه كبرى للدول العربية.
ختاما لابد من التأكيد ان الضفة الغربية تواجه تحديات خطيرة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لسياساته القمعية، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد أمني خطير أو انتفاضة جديدة. والأردن، بحكم موقعه الجغرافي والديموغرافي، سيكون من أكثر الدول تأثرًا بهذه التطورات، سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية. لذا، يحتاج الأردن إلى استراتيجيات متوازنة وجديدة تجمع بين دعم مقاومة وصمود الفلسطينيين وتعزيز استقراره الداخلي، مع الاستمرار في لعب دور دبلوماسي فعال للدفاع عن القضية الفلسطينية ومنع أي تهديدات تمس سيادته.
الامين العام للمنتدى العالمي للوسطية