زلزال مالي في وول ستريت.. وسياسات واشنطن العشوائية قد تدفع العالم إلى ركود إقتصادي ...


أنباء الوطن -

د. بسام روبين يكتب… 

شهدت الأسواق المالية الأمريكية خسائر ضخمة تجاوزت 2 تريليون دولار خلال ساعتين، مما أثار تساؤلات عميقة حول مدى إستقرار الإقتصاد الأمريكي في ظل سياسات البيت الأبيض المتخبطة. هذه الأزمة لم تكن مفاجئة، بل جاءت نتيجة سلسلة من القرارات العشوائية التي تبنتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بدءًا من فرض العقوبات الإقتصادية على الدول، مرورًا بالصراعات التجارية مع الصين، وانتهاءً بالتوترات الجيوسياسية المتصاعدة التي ساهمت في زعزعة ثقة المستثمرين.

 

 فالسياسات العدائية فرضت عقوبات إقتصادية على دول مثل الصين وروسيا وإيران ولكنها لم تضعف هذه الدول بقدر ما إنعكست سلبًا على الشركات الأمريكية الكبرى، التي تعتمد على التجارة الخارجية والإستثمارات الدولية.

وكان للتوترات الجيوسياسية تأثيرها على الأسواق

فإستمرار النزاعات في أوكرانيا والشرق الأوسط، والدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل في حربها على غزة، أوجد مناخًا من عدم الإستقرار، مما دفع المستثمرين إلى الهروب من الأسواق خوفًا من تداعيات إقتصادية طويلة ناهيك عن سياسات الفيدرالي الأمريكي الخاطئة من رفع أسعار الفائدة بشكل متكرر أدى إلى تراجع الإنفاق الإستهلاكي والإستثماري، وزيادة تكلفة الإقتراض، مما أثر على الشركات وأسواق المال، ليس فقط في أمريكا، بل في معظم أنحاء العالم. وكان لحروب التجارة والطاقة أثرا مباشرا على ما حدث اليوم

فقد حاولت واشنطن التحكم في أسعار النفط من خلال الضغط على أوبك بلس لتغيير مستويات الإنتاج وفقًا لمصالحها الإقتصادية وأدى ذلك لإحداث تقلبات حادة في الأسواق، مما أضر بالإقتصاد الأمريكي قبل غيره.

وقد نتج عن هذا التخبط السياسي والإقتصادي تداعيات عالمية 

سببت تباطؤ النمو الإقتصادي العالمي فالإقتصاد الأمريكي مرتبط بشكل وثيق بالإقتصاد العالمي، وأي ركود في وول ستريت سرعان ما ينعكس على الأسواق الآسيوية والأوروبية، مما قد يؤدي إلى أزمة إقتصادية عالمية غير مسبوقة. مع تزايد الضغوط المالية على بعض الدول النامية التي تعتمد على الإستثمارات الأجنبية والقروض الدولية فقد تواجه تحديات كبرى، مع إرتفاع كلفة التمويل وإنخفاض السيولة في الأسواق العالمية.

أما تضخم وتقلبات أسعار السلع الأساسية فكان له النصيب الأكبر فتذبذب أسعار النفط والطاقة، إضافة إلى تعطل سلاسل التوريد، أدى حكما إلى إرتفاع معدلات التضخم عالميًا، مما فاقم الأوضاع الإقتصادية، خاصة في الدول التي تعتمد على الإستيراد.

ومع كل ذلك هنالك بعض الحلول الممكنة لتجاوز هذه الأزمة

بدءا بإعادة رسملة البنوك وتعزيز قدرتها على مواجهة الأزمات من خلال ضخ السيولة وتوفير الدعم المالي اللازم لإستقرار الأسواق.

وإجراء إصلاح لسياسات الفيدرالي الأمريكي من خلال خفض أسعار الفائدة بدلاً من رفعها، مما يساعد في تحفيز النمو الإقتصادي وإستعادة الثقة في الأسواق المالية.

مع وجوب إنهاء العقوبات الإقتصادية غير المدروسة، وإستبدالها بسياسات تجارية أكثر توازنًا وعقلانيه تحافظ على المصالح الأمريكية دون الإضرار بالإقتصاد العالمي.

من خلال تعزيز التعاون الدولي بدلاً من المواجهة، وضرورة الحوار مع القوى الإقتصادية الكبرى مثل الصين وروسيا، عوضا عن فرض قيود تعيق النمو العالمي.

مع لزوم وقف التدخلات السياسية التي تعمّق الأزمات العالمية، خاصة في الشرق الأوسط والإلتزام بالقانون الدولي ولجم إسرائيل وثنيها عن جرائم الإبادة التي تدعمها وتمولها أمريكا ، فإستمرار الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين، ومحاولة الضغط على الشعوب عبر الحصار والعقوبات للتهجير لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوترات التي تهدد الإستقرار الاقتصادي والسياسي.

وأتمنى على ساكن البيت الأبيض ان يعلم قبل أن لا يعلم بان الإقتصاد الأمريكي ليس بمنأى عن التأثيرات السياسية، وأي قرار غير مدروس في البيت الأبيض يمكن أن يؤدي إلى تداعيات مالية خطيرة فاليوم نرى العالم يقف على حافة ركود إقتصادي محتمل، وقد تكون هذه الأزمة مجرد مقدمة لإضطرابات إقتصادية أكبر إذا لم يتم إعادة تقييم الإستراتيجيات الإقتصادية والسياسية الأمريكية ، فبناء سياسة مالية وتجارية أكثر توازنًا، قائمة على التعاون بدل الهيمنة، والإستقرار بدل التوترات المفتعلة، هو السبيل الوحيد لتجنب كارثة إقتصادية قد تهز النظام المالي العالمي بالكامل.

 

العميد المتقاعد

الدكتور بسام روبين