الثلجُ‭ ‬الذي‭ ‬شممتهُ‭ ‬في‭ ‬طفولتي


أنباء الوطن -

 

كتب‭ : ‬باسل‭ ‬رفايعة

الثلجُ‭ ‬رائعٌ،‭ ‬وهو‭ ‬يهطلُ‭ ‬بطيئاً،‭ ‬وأنتَ‭ ‬بثيابٍ‭ ‬خفيفة،‭ ‬تنعمُ‭ ‬بالتدفئة‭ ‬المركزية،‭ ‬ولديكَ‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬حَطَبٍ‭ ‬لمدفأة‭ ‬الرخام،‭ ‬ومن‭ ‬كُتبٍ‭ ‬للتسلية،‭ ‬وموسيقى،‭ ‬تصلحُ‭ ‬للنبيذِ‭ ‬والنعاس‭.‬

ذلك‭ ‬ثلجٌ‭ ‬نادرٌ،‭ ‬ويهبطُ‭ ‬على‭ ‬بيوتٍ‭ ‬قليلةٍ‭ ‬في‭ ‬بلادي‭. ‬الثلجُ‭ ‬الذي‭ ‬رأيتهُ‭ ‬وشممتهُ‭ ‬في‭ ‬طفولتي‭ ‬وصبايَ،‭ ‬ما‭ ‬يزالُ‭ ‬ينزلُ‭ ‬شرّيراً،‭ ‬وقاسياً،‭ ‬ومتوحّشاً‭ ‬بقناعٍ‭ ‬أبيضَ،‭ ‬ولؤمِ‭ ‬سجّانٍ،‭ ‬يرفعُ‭ ‬سجوناً‭ ‬حولَ‭ ‬المنازل،‭ ‬وفي‭ ‬ملاعب‭ ‬الأطفال،‭ ‬ويحرمُ‭ ‬الأولادَ‭ ‬باعةَ‭ ‬العلكة‭ ‬من‭ ‬خبزهم‭ ‬الحافي،‭ ‬ويكنسُ‭ ‬البسطات‭. ‬يكسرُ‭ ‬الأشجارَ‭ ‬وألواحَ‭ ‬الزينكو‭.‬

لا‭ ‬بياضَ‭ ‬في‭ ‬الثلج‭. ‬يراهُ‭ ‬الفقراءُ‭ ‬كفناً،‭ ‬ولا‭ ‬تعاويذَ‭ ‬تطردُ‭ ‬البردَ‭ ‬وحكّة‭ ‬القدمين‭ ‬وزمهرير‭ ‬المساء‭. ‬‮«‬الدفا‭ .. ‬عفا‮»‬،‭ ‬وليس‭ ‬إبريق‭ ‬الشاي‭ ‬النحاسيّ،‭ ‬ورائحة‭ ‬العدس‭ ‬والكاز‭. ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬الرائحة‭ ‬غادرتْ‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬بيوت‭ ‬الأردنيين‭. ‬

بالكاد،‭ ‬يتدبَّرُ‭ ‬معظمُ‭ ‬النَّاسِ‭ ‬أقلّ‭ ‬الطعامِ،‭ ‬وأقلّ‭ ‬التدفئة‭. ‬يتدثرون‭ ‬بأغطيةٍ‭ ‬ثقيلةٍ،‭ ‬لتوفير‭ ‬الكاز‭ ‬والديزل‭. ‬ويكابدون‭ ‬تحت‭ ‬إلحاح‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬الحلوى‭. ‬كانت‭ ‬أُمِّي‭ ‬تصنعُ‭ ‬لنا‭ ‬فطيرةَ‭ ‬الشاي‭. ‬خبزٌ‭ ‬مفتوتٌ،‭ ‬وسكّرٌ،‭ ‬لتبدُّدَ‭ ‬قليلاً‭ ‬من‭ ‬كآبة‭ ‬الحبس‭ ‬والثلج‭ ‬والجوع‭..‬

كُنْ‭ ‬نبيلاً‭ ‬أيها‭ ‬الثلج،‭ ‬ولا‭ ‬تطرقْ‭ ‬أبواباً‭ ‬تكرهك‭..‬