فضائيات‭ ‬تعيد‭ ‬عقلية‭ ‬‮«‬داحس‭ ‬والغبراء‮»‬‭..‬


أنباء الوطن -

 

كتب‭ : ‬مالك‭ ‬العثامنة‭*‬

‭- ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬بانوراما‭ ‬فانتازيا‭ ‬الواقع‭ ‬العربي،‭ ‬والتي‭ ‬لو‭ ‬نظرنا‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬‮«‬فضائيات‮»‬‭ ‬لرأيناها‭ ‬شاشة‭ ‬هلوسة‭ ‬تاريخية‭ ‬وجغرافية‭ ‬تعرض‭ ‬واقعا‭ ‬متشظيا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأفضل‭ ‬ورشة‭ ‬كتاب‭ ‬حشاشين‭ ‬أو‭ ‬عباقرة‭ ‬تخيله‭.‬

في‭ ‬خضم‭ ‬تلك‭ ‬الخلطة‭ ‬التاريخية،‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬كأكبر‭ ‬عمل‭ ‬درامي‭ ‬–‭ ‬تاريخي‭ ‬–‭ ‬فانتازي‭ ‬وخيال‭ ‬علمي‭ ‬جوهره‭ ‬تراجيدي،‭ ‬استطعنا‭ ‬أن‭ ‬نستحضر‭ ‬ببراعة‭ ‬عقلية‭ ‬‮«‬داحس‭ ‬والغبراء‮»‬‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين،‭ ‬وأعدنا‭ ‬الحياة‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬البسوس‮»‬‭ ‬وناقتها‭ ‬المذبوحة‭ ‬وأنتجنا‭ ‬من‭ ‬جساس‭ ‬ألفا،‭ ‬كما‭ ‬من‭ ‬الزير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نسخة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قتلنا‭ ‬كليبا‭ ‬ومشروعه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نحاكمه،‭ ‬وانتهينا‭ ‬إلى‭ ‬النسخة‭ ‬الأكثر‭ ‬بشاعة‭ ‬من‭ ‬‮«‬ملوك‭ ‬الطوائف‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأندلس،‭ ‬وتفوقنا‭ ‬في‭ ‬المؤثرات‭ ‬البصرية‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬القتل‭ ‬حرفة‭ ‬فنية،‭ ‬وانحط‭ ‬فينا‭ ‬الوعي‭ ‬كعرب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نسينا‭ ‬أصل‭ ‬القضية‭ ‬وجوهرها‭ ‬ليتم‭ ‬تعليبها‭ ‬في‭ ‬اتفاقيات‭ ‬عرجاء‭ ‬ثنائية‭ ‬بين‭ ‬قيادة‭ ‬تاريخها‭ ‬نضال‭ ‬فنادق،‭ ‬ودولة‭ ‬احتلال‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تخترقنا‭ ‬وتعيش‭ ‬في‭ ‬تفاصيلنا‭ ‬وتتحكم‭ ‬بها،‭ ‬وصارت‭ ‬فلسطين‭ ‬قضية‭ ‬فلسطينيين‭ ‬فقط‭.‬

لقد‭ ‬وصلنا‭ ‬مرحلة‭ ‬صارت‭ ‬للمقاومة‭ ‬فيها‭ ‬رموز‭ ‬جديدة‭ ‬يغرسها‭ ‬الفضاء‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬عقلية‭ ‬أجيال‭ ‬جديدة،‭ ‬وهي‭ ‬رموز‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬محل‭ ‬رموز‭ ‬أدبية‭ ‬وقامات‭ ‬فكرية،‭ ‬فليس‭ ‬مطلوبا‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬المتلقي‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني‭ ‬أو‭ ‬غالب‭ ‬هلسا‭ ‬أو‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬وتوفيق‭ ‬زياد،‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬سادن‭ ‬القدس‭ ‬وحارسها‭ ‬المرحوم‭ ‬فيصل‭ ‬الحسيني‭ ‬مثلا،‭ ‬فكل‭ ‬تلك‭ ‬الأسماء‭ ‬وعشرات‭ ‬من‭ ‬قامات‭ ‬مثلهم‭ ‬حلت‭ ‬محلهم‭ ‬المناضلة‭ ‬الكبيرة‭ ‬المقاومة‭ ‬والمدرسة‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬مقاومة‭ ‬التطبيع‭ ‬عبر‭ ‬هز‭ ‬الخصر،‭ ‬الفنانة‭ ‬‮«‬لوسي‮»‬‭ ‬وغيرها‭.‬

الأستاذة‭ ‬لوسي‭ ‬–‭ ‬لا‭ ‬فض‭ ‬حزام‭ ‬رقص‭ ‬قدها‭ ‬المياس‭ ‬–‭ ‬وعلى‭ ‬فضائية‭ ‬‮«‬القاهرة‭ ‬والناس‮»‬‭ ‬الفكرية‭ ‬الملهمة،‭ ‬تحدثت‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬عن‭ ‬حادثة‭ ‬رفضها‭ ‬عرضا‭ ‬إسرائيليا‭ ‬مغريا‭ ‬قدم‭ ‬لها‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬عاما،‭ ‬لتعلم‭ ‬الرقص‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وبمبلغ‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ساعة‭ ‬هز‭ ‬خصر‭ ‬لراقصات‭ ‬العدو‭ ‬الغاشم،‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الغالي‭ ‬والنفيس‭ ‬لتعلم‭ ‬أسرار‭ ‬وخفايا‭ ‬الرقص‭ ‬الشرقي‭.‬

‮«‬إسرائيل‭ ‬دولة‭ ‬عظمى‮»‬‭ ‬حسب‭ ‬الجواهر‭ ‬والدرر‭ ‬الفكرية،‭ ‬التي‭ ‬ألقتها‭ ‬لوسي‭ ‬والتقطتها‭ ‬بشغف‭ ‬المناضل‭ ‬والمتعلم،‭ ‬ونحن‭ ‬هنا‭ ‬أمام‭ ‬مدرسة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬النضال‭ ‬ومقاومة‭ ‬التطبيع‭ ‬تعتمد‭ ‬فكرة‭ ‬الخنوع‭ ‬وتقبل‭ ‬فكرة‭ ‬تفوق‭ ‬إسرائيل‭ ‬ببساطة،‭ ‬لنتقبل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭.‬

وتلك‭ ‬الدولة‭ ‬العظمى،‭ ‬حسب‭ ‬لوسي‭ ‬‮«‬مفترية‮»‬‭ ‬و‭ ‬لوسي‭ ‬لا‭ ‬تحب‭ ‬الافتراء‭.. ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬مشكلة‭ ‬لديها‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المسالم‭!! ‬لكن‭ ‬مشكلتها‭ ‬مع‭ ‬الحكومات‭ ‬المفترية،‭ ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬مقابلتها‭ ‬التاريخية‭ ‬على‭ ‬‮«‬القاهرة‭ ‬والناس‮»‬‭.‬

يا‭ ‬قاهرة‭ ‬المعز،‭ ‬لا‭ ‬القاهرة‭ ‬قاهرة،‭ ‬ولا‭ ‬الناس‭ ‬هم‭ ‬الناس‭.‬

فضائية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬ترف‭ ‬نخب‭ ‬البسكويت

ولا‭ ‬يزال‭ ‬الإعلام‭ ‬الفضائي‭ ‬الأردني‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬ذاته‭ ‬في‭ ‬متاهة‭ ‬الطبقات‭ ‬الأردنية‭ ‬المتفاوتة،‭ ‬وبين‭ ‬قنوات‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬متلق‭ ‬مترف‭ ‬يسهر‭ ‬في‭ ‬خيمة‭ ‬رمضانية‭ ‬بعد‭ ‬إفطار‭ ‬مترف،‭ ‬وقنوات‭ ‬تدق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر‭ ‬وتنبه‭ ‬على‭ ‬جيوب‭ ‬فقر‭ ‬مدقع‭ ‬وكوارث‭ ‬مجتمعية‭ ‬تنذر‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يحمد‭ ‬عقباه‭ ‬نتابع‭ ‬وطنا‭ ‬مقسوما‭ ‬لا‭ ‬منتصف‭ ‬برزخي‭ ‬فيه‭.‬

في‭ ‬الأردن،‭ ‬ولله‭ ‬الحمد،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬إعلام‭ ‬مجتمعي‭ ‬تلفزيوني‭ ‬يلامس‭ ‬وجع‭ ‬الواقع‭ ‬اليومي‭ ‬وبعيد‭ ‬عن‭ ‬حقن‭ ‬التخدير‭ ‬الترفيهية‭ ‬في‭ ‬الاعلام‭ ‬الفضائي‭ ‬الأردني‭. ‬

التقرير،‭ ‬الذي‭ ‬أعدته‭ ‬وقدمته‭ ‬الزميلة‭ ‬هناء‭ ‬الأعرج‭ ‬موجع‭ ‬وقاس‭ ‬وواقعي‭ ‬جدا‭. ‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬المشككين‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬التقرير‭ ‬عرض‭ ‬جانبا‭ ‬من‭ ‬القصة‭ ‬وتجنى‭ ‬على‭ ‬المستشفى‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الطفلة‭ ‬‮«‬سدين‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬قضت‭ ‬جراء‭ ‬القهر‭ ‬والفقر،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬مهتم‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬صار‭ ‬فيها‭ ‬العلاج‭ ‬الطبي‭ ‬ترفا‭ ‬مجتمعيا‭ ‬في‭ ‬الأردن،‭ ‬والمواطن‭ ‬إما‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬تأمين‭ ‬صحي‭ ‬رسمي‭ ‬وجوده‭ ‬وعدمه‭ ‬واحد،‭ ‬أمام‭ ‬بنية‭ ‬حكومية‭ ‬طبية‭ ‬متهالكة،‭ ‬أو‭ ‬رحمة‭ ‬التذلل‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مكرمات‭ ‬ملكية‭ ‬كانت‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬تملك‭ ‬بريق‭ ‬المكرمة‭ ‬بنوعيتها‭ ‬وندرتها،‭ ‬واليوم‭ ‬صارت‭ ‬مؤسسة‭ ‬موازية‭ ‬لوزارة‭ ‬الصحة‭.‬

ما‭ ‬قدمته‭ ‬الزميلة‭ ‬هناء‭ ‬الأعرج‭ ‬في‭ ‬التقرير،‭ ‬كان‭ ‬صحافة‭ ‬مجتمعية‭ ‬موجعة‭ ‬لكن‭ ‬ضرورية،‭ ‬للتيقظ‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭.‬

نعم،‭ ‬التقرير‭ ‬موجع‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيله‭ ‬وبكاء‭ ‬الأم‭ ‬فيه،‭ ‬لكن‭ ‬ومن‭ ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الوجع…هناك‭ ‬نافذة‭ ‬أمل‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬إعلام‭ ‬محترم‭ ‬تقدمه‭ ‬قناة‭ ‬تموضعت‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الأردني‭ ‬بثقة‭ ‬الخبير‭ ‬وهدوء‭ ‬العارف‭. ‬

فضائية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬ترف‭ ‬نخب‭ ‬البسكويت‭.. ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬الوجع‭ ‬العام‭.‬

علينا‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬التلفزيون،‭ ‬فضائيا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬رقميا‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الصحافة‭.. ‬لا‭ ‬معلبات‭ ‬حشو‭ ‬فارغ‭ ‬وحسب‭.‬

‭...............‬

‭* ‬مالك‭ ‬العثامنة‭ : ‬إعلامي‭ ‬أردني‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬بروكسل

‭..........‬

‭- ‬عن‭ ‬‮«‬القدس‭ ‬العربي